__________________
ـ الأكل عام يشمل حالتى الجواز والوجوب ، فإذا وجدت قرينة على تخصيصه بالوجوب عمل بها كما فى قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) فنفى الجناح عن التطوف ، أى : السعى بين الصفا والمروة ، مفهوم عام قد خصص بما دل على وجوبه أو فرضيته.
حد الضرورة المبيحة :
قال أبو بكر الجصاص : معنى الضرورة فى الآيات : خوف الضرر على نفسه أو بعض أعضائه بتركه الأكل. وقد انضوى تحته معنيان :
أحدهما : أن يحصل فى وضع لا يجد غير الميتة.
والثانى : أن يكون غيرها موجودا ، ولكنه أكره على أكلها بوعيد يخاف منه تلف نفسه أو تلف بعض أعضائه.
وكلا المعنيين مراد بالآية عندنا ؛ لاحتمالهما. وحالة الإكراه يؤيد دخولها فى معنى الاضطرار قول الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه». ويؤخذ من (الدر المختار) أن الضرورة تشمل خوف الهلاك ، وخوف العجز عن الصلاة قائما أو عن الصيام. وفسر (الشرح الصغير) للمالكية الضرورة بخوف الهلاك أو شدة الضرر. وفسرها الرملى الشافعى فى (نهاية المحتاج) بخوف الموت أو المرض أو غيرهما من كل محذور يبيح التيمم ، وكذا خوف العجز عن المشى ، أو التخلف عن الرفقة إن حصل له به ضرر ، وكذا إجهاد الجوع إياه بحيث لا يستطيع معه الصبر. والمحذور الذى يبيح التيمم عند الشافعية هو حدوث مرض أو زيادته أو استحكامه ، أو زيادة مدته ، أو حصول شين فاحش فى عضو ظاهر ، بخلاف الشين الفاحش فى عضو باطن. والظاهر : ما يبدو عند المهنة كالوجه واليدين ، والباطن : بخلافه. ويعتمد فى ذلك قول الطبيب العدل فى الرواية. وإذا كان المضطر عارفا فى الطب عمل بمقتضى معرفته ، ولا يعمل بتجربته إن كان مجربا ، على ما قاله الرملى. وقال ابن حجر : يعمل بها ، ولا سيما عند فقد الطبيب. وقال الحنابلة : إن الضرورة أن يخاف التلف فقط لا ما دونه ، هذا هو الصحيح من المذهب ، وقيل : إنها تشمل خوف التلف أو الضرر ، وقيل : أن يخاف تلفا أو ضررا أو مرضا أو انقطاعا عن الرفقة يخشى معه الهلاك.
تفصيل المحرمات التى تبيحها الضرورة :
ذكر فى الآيات السابقة تحريم الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما أهل لغير الله به ، والمنخنقة ، والموقوذة ، والمتردية ، والنطيحة ، وما أكل السبع ، وما ذبح على النصب ، فهذه كلها تبيحها الضرورة بلا خلاف. وكذا كل حيوان حى من الحيوانات التى لا تؤكل يحل للمضطر قتله بذبح أو بغير ذبح للتوصل إلى أكله. وكذا ما حرم من غير الحيوانات لنجاسته ، ويمثلون له بالترياق المشتمل على خمر ولحوم حيات. أما ما حرم لكونه يقتل الإنسان إذا تناوله ـ كالسموم ـ فإنه لا تبيحه الضرورة ؛ لأن تناوله استعجال للموت وقتل للنفس ، وهو من أكبر الكبائر. وهذا متفق عليه بين المذاهب.
واختلفت الاجتهادات فى الخمر فقال الحنفية : يشربها من خاف العطش ولم يجد غيرها ، ولا يشرب إلا قدر ما يدفع العطش ، إن علم أنها تدفعه. وقال المالكية والشافعية والحنابلة : لا يشرب المضطر الخمر الصرفة للعطش ، وإنما يشربها من غص بلقمة أو غيرها ، فلم يجد ما يزيل الغصة سوى الخمر. ـ