الكوفة ، وقد ألف تلاميذ المدرستين تآليف كثيرة ، وتتابع الناس يكتبون في هذا العلم ؛ حتى انتهى الأمر إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي أيام الرشيد ، فهذب الصناعة ، وكمل أبوابها ، وأخذ عنه سيبويه ، فكمل تفاريعها ، واستكثر من أدلتها وشواهدها ، ووضع فيها كتابه المشهور (١).
وممن كتب في هذا الفن : الأصمعي ، وأبو عبيدة ، وأبو عمرو بن العلاء ، وجميع من ذكرت من علماء البصرة ، ومن أشهر علماء الكوفة الذين كتبوا في هذا الفن : الكسائي والفراء (٢).
وكما تسرب اللحن إلى تركيب الجملة تسرب أيضا إلى الألفاظ ، فاستعمل كثير من كلام العرب في غير موضعه ، ومن ثم وجدت الحاجة إلى معاجم تحفظ المفردات اللغوية ، حتى لا تندرس ، فيترتب على ذلك جهل بالقرآن والحديث.
ولذلك شمر علماء اللغة عن سواعدهم ، وبدءوا يجمعون الكلمات العربية ، ويحددون معانيها ، فرحلوا إلى البادية واستقوا اللغة من منابعها الأولى ، كما أخذوا عن عرب البدو الذين وفدوا إلى الحضر ، وكان من أهم مصادرهم : القرآن الكريم ، والشعر العربي الجاهلي والإسلامي الموثوق به.
وقد تم جمع اللغة على مراحل ثلاث :
المرحلة الأولى : جمع المفردات كيفما اتفق.
المرحلة الثانية : جمعت فيها الكلمات المتقاربة نوعا من التقارب ، أو ما لها موضع واحد.
المرحلة الثالثة : جمع المعاجم ، وذلك في أواخر القرن الثاني الهجري حين وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي منهج كتاب العين الذي حصر فيه مركبات حروف المعجم كلها من الثنائي ، والثلاثي ، والرباعي ، والخماسي ، ورتب أبوابه على حروف المعجم بالترتيب المتعارف عليه ، واعتمد فيه على ترتيب المخارج ، فبدأ بحروف الحلق ثم ما بعده حتى وصل إلى الحروف الشفوية ، وجعل أحرف العلة آخرا ، وبدأ من حروف الحلق بالعين ؛ ولذلك سمى كتابه ب «العين».
__________________
(١) ينظر : مقدمة ابن خلدون (ص ٥٠٢).
(٢) ينظر : تاريخ الإسلام السياسي (٢ / ٢٩٤).