الفصل الأول
الفرق السياسية
السياق التاريخي لنشأة الفرق الإسلامية :
إن الحديث عن الفرق الإسلامية ومذاهبها السياسية وآرائها العقدية يمت بأوثق الأسباب للأحداث السياسية التي ألمت بالمجتمع الإسلامي منذ وفاة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولما شجر بين المسلمين من وجوه الخلاف حول بعض المسائل التي طرأت بعد رحيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأعظم مسألة نشب فيها الخلاف ووقع التخاصم والنزاع بسببها بين المسلمين هي مسألة الإمامة أو الخلافة العظمى ، بحيث يصح لنا أن نزعم أن مدار الخلاف بين المسلمين وما انبنى عليه من ظهور الفرق المتباينة في الأصول تباينها في الفروع ـ على الإمامة.
ومن الحق أن نقرر أن الفرق التي نزعت في أول أمرها منزعا سياسيّا ، وخرجت إلى الوجود من رحم الأحداث السياسية نفسها ، لم تلبث أن صارت لها آراء في الأصول الاعتقادية والفروع الفقهية جميعا ، على نحو مثلت معه هذه الآراء مذاهب مستقلة لعلها أبقى أثرا وأعظم خطرا في التاريخ من المعتقدات السياسية التي غدت مسائل تاريخية لا يعول عليها كثيرا ولا يلتفت إليها إلا قليلا في واقعنا المعاصر.
ولا غرو في أن ترتبط المذاهب السياسية بالنظريات العقدية في ظل شريعة لا تفصل بين الدين والسياسة فصلا قاطعا ، على غرار الشرائع الأخرى ، فالدين ـ في شريعة الإسلام ـ لب السياسة وقوامها ، ووظيفة السياسة منوطة بحماية الإسلام والذود عن أصوله المقررة ، وحراسته من عبث العابثين وهجوم المغرضين ، وذلك ما سبق إلى الالتفات إليه ابن خلدون حين عرف الخلافة بأنها : «حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ؛ إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة ، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا» (١).
وثمة أمر آخر نود الإلماح إليه والتنويه به ، وهو أن الخلاف بين الفرق الإسلامية لم يمس ركنا من أركان الإسلام ، أو أصلا من أصوله الثابتة التي نقلت إلينا بالتواتر فغدت
__________________
(١) مقدمة ابن خلدون (٢ / ٥٧٨) تحقيق علي عبد الواحد وافي.