(إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [التوبة : ١١١] ، فهؤلاء بذلوا أنفسهم لذلك بتفضيل الله عزوجل ببذل الجنة لهم ، فهو الشراء. والله أعلم. وهو ما روى أن أبا بكر الصديق ، رضى الله تعالى عنه ، ألقى نفسه على رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ما هم المشركون بقتله.
وفيه دلالة أن أبا بكر الصديق ، رضى الله تعالى عنه ، كان أشجع الصحابة وأصلبهم ، وإن كان ضعيفا فى نفسه ، لما لم يتجاسر أحد من الصحابة على مثله. وما روى أيضا أنه خرج لمقاتلة أهل الردة وحده. فدل هذا كله أنه كان أشجعهم وأصلبهم فى الدين.
وقيل (١) : إن هذه الآية نزلت فى صهيب (٢) ، ابتاع دينه بأهله وماله على ذلك والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ)
يحتمل : أن أراد كل العباد ، وهو أن الكافر إذا أسلم وأخلص دينه لله تعالى يتغمده فى رحمته ويقبل منه ذلك ، ويتجاوز عنه عما كان منه فى الشرك والكفر. والله أعلم.
ويحتمل : أن أراد بالعباد : المؤمنين خاصة ، رحيم بهم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٢٠٨) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٠٩) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٢١٠) سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢١١) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَياةُ الدُّنْيا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢١٢)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً).
(السِّلْمِ) ، فيه لغتان : بالكسر والنصب. فمن قرأ (٣) ذلك بالكسر فهو الإسلام.
__________________
(١) قاله سعيد بن المسيب ، أخرجه ابن سعد والحارث بن أبى أسامة فى مسنده وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبو نعيم فى الحلية وابن عساكر عنه كما فى الدر المنثور (١ / ٤٣٠).
(٢) هو : صهيب بن سنان الرومى أبو يحيى النمرى ، سبته الروم فابتاعته كلب ، فقدمت به مكة ، فابتاعه ابن جدعان فأعتقه ، صحابى مشهور. شهد بدرا. له أحاديث. انفرد له البخارى بحديث ومسلم بثلاثة. وعنه ابن عمر ، وابن أبى ليلى ، وابن المسيب. قال ابن سعد : مات بالمدينة سنة ثمان وثلاثين. وقال يعقوب بن سفيان : سنة أربع ، وصلى عليه سعد. ينظر : الخلاصة (١ / ٤٧٢) (٣١١٦).
(٣) ينظر : اللباب (٣ / ٤٧٣ ، ٤٧٤) ، والدر المصون (١ / ٥١٠) ، والبحر المحيط (٢ / ١١٨) ، والسبعة ـ