قوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ (٢١٤) يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)(٢١٥)
وقوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) قال أبو موسى الأشعرى (١) ، رضى الله تعالى عنه ، وآخر معه من الصحابة ، رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، قالا : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) كلهم كفار إلى أن بعث الله عزوجل فيهم النبيين.
وقال عبد الله بن مسعود (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) مؤمنين كلهم زمن نوح ، عليهالسلام ، الذين كانوا فى السفينة إلى أن اختلفوا من بعد ، فبعث الله فيهم النبيين.
وقال بعضهم : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) مؤمنين كلهم زمن آدم ، عليه الصلاة والسلام ، إلى أن أنزل الله الكتاب عليهم وبعث فيهم الرسل.
ولو قيل بغير هذا كان أقرب.
قوله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) يعنى صنفا واحدا.
ومعنى الأمة معنى الصنف ، كقوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ
__________________
(١) عبد الله بن قيس بن سليمان بن حضّار بفتح المهملة وتشديد المعجمة الأشعرى أبو موسى ، هاجر إلى الحبشة وعمل على زبيد وعدن ، وولى الكوفة لعمر والبصرة ، وفتح على يده تستر وعدة أمصار. له ثلاثمائة وستون حديثا ، اتفقا على خمسين ، وانفرد البخارى بأربعة ، ومسلم بخمسة وعشرين. وعنه ابن المسيب وأبو وائل وأبو عثمان النهدى وخلق. قال الهيثمى : توفى سنة اثنتين وأربعين. وقيل غير ذلك.
وعمل للنبى صلىاللهعليهوسلم على زبيد ، وعدن ، وساحل اليمن. واستعمله عمر بن الخطاب على الكوفة والبصرة. وشهد وفاة أبى عبيدة بن الجراح بالأردن. وشهد خطبة الجابية. وقدم دمشق على معاوية.
ينظر : تهذيب الكمال (١٥ / ٤٤٦ ـ ٤٥٣) ، والخلاصة (٢ / ٨٩) (٣٧٣٩) ، والثقات (٣ / ٢٢١) ، وتهذيب التهذيب (٥ / ٣٦٢ ، ٣٦٣) ، والإصابة ت (٤٨٩٨) ، وسير أعلام النبلاء (٢ / ٣٨٠) ، وشذرات الذهب (١ / ٢٩ ، ٣٠).
(٢) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس (٤٠٥١) ، وقتادة (٤٠٥٢) بنحوه ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٣٥).