أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما).
(قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، بعد الحرمة (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، قبل الحرمة ، (وَإِثْمُهُما) بعد الحرمة (أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) ، قبل التحريم.
والمنفعة فى الميسر : بعضهم ينتفع به ، وبعضهم يخسر ، وهو القمار.
وذلك أن نفرا كانوا يشترون الجزور فيجعلون لكل رجل منهم سهما ، ثم يقترعون ، فمن خرج سهمه برئ من الثمن حتى يبقى آخر رجل ، فيكون ثمن الجزور عليه وحده ، ولا حق له فى الجزور ، ويقتسم الجزور بقيتهم.
وقيل : يقسم بين الفقراء ؛ فذلك الميسر.
ثم قال : (فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، فى ركوبهما ؛ لأن فيهما ترك الصلاة ، وترك ذكر الله ، وركوب المحارم والفواحش.
ثم قال : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، يعنى التجارة ، واللذة ، والربح.
ثم اختلف فيه :
قال قوم : إن الخمر محرمة بهذه الآية حيث قال : (إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، والإثم محرم بقوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ) [الأعراف : ٣٣].
وقال قوم : لم تحرم بهذه الآية ؛ إذ فيها ذكر النفع ، ولكن حرمت بقوله : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ) [المائدة : ٩٠] ، والرجس محرم ، وقال الله تعالى : (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) [المائدة : ٩٠] ، وعمل الشيطان محرم.
ثم أخبر فى آخرها أنه : (يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ) [المائدة : ٩١] ، وذلك كله محرم.
والأصل عندنا فى هذا : أنهم أجمعوا على حرمة الميسر مع ما كان فيه من المنافع للفقراء وأهل الحاجة والمعونة لهم ؛ لأنهم كانوا يقتسمون على الفقراء ، فإذا حرم الله هذا ثبت أن المقرون به أحق فى الحرمة مع ما فيه من الضرر الذى ذكرنا. والله أعلم.
وقال الشيخ ، رحمهالله تعالى ، فى قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) : ولم يبين فى السؤال أنه عن أى أمرهما كان السؤال؟ وأمكن استخراج حقيقة ذلك عن الجواب بقوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، كأن السؤال كان «عما فيهما»؟ فقال : فيهما كذا.
وعلى ذلك قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) [البقرة : ٢٢٠] كأن السؤال عما يعمل فى أموال اليتامى ، من المخالطة وأنواع المصالح ، وكذلك قوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ) [البقرة : ٢٢٢] ، كأنه قال : عن غشيان فى المحيض ، إذ فى ذلك جرى الجواب فلم يبين