رقبته وإعتاقها. ولا قوة إلا بالله.
وفى قوله : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) دلالة جواز تأخير البيان ؛ لأنه أمر بالتفكر والتدبر ، وجعل لهم عند الفكر الوصول إلى المراد فى الخطاب ، فدل أنه يتأخر عن وقت قرع الخطاب السمع.
وقوله : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ).
كأن فى السؤال إضمارا ؛ لأنه قال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى) ولم يبين فى أى حكم ، وإضماره ـ والله أعلم ـ أن يقال : يسألونك عن مخالطة اليتامى. يبين ذلك قوله : (وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) أن السؤال كان عن المخالطة.
وكذلك قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ) [البقرة : ٢١٩] ، ولم يبين فى أى حكم ، فكأنه قال : يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار والميسر ، ثم قال : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) ، دل قوله : (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ) أن السؤال كان عن شرب الخمر والعمل بالميسر. وهذا جائز فى اللغة ، وفى القرآن كثير أن يكون فى الجواب بيان السؤال أنه عما كان وإن لم يذكر فى السؤال ؛ كقوله : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) [النساء : ١٧٦] ، دل ما ذكر من الفتيا أن الاستفتاء كان عن الميراث. وكذلك قوله : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) [النساء : ١٢٧] ، دل قوله : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أن السؤال كان عن نساء اليتامى. وهذا جائز ، وربما يخرج الجواب على إثر نوازل ، فيعرف مراده بالنوازل دون ذكر السؤال.
ثم السؤال يحتمل وجهين :
يحتمل : أن يكون عن مخالطة الأموال والأنفس جميعا بقوله : (قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ) فإنما حملهم ـ والله أعلم ـ على سؤال المخالطة ، ما قيل : لما نزل قوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) [النساء : ١٠] ، وقوله : (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً) [النساء : ٦] ، أشفق المسلمون من خلطة اليتامى ، فعزلوا لهم بيتا ، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم ، فشق ذلك عليهم جميعا ، فسألوا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت هذه (١)
__________________
(١) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٤١٩٢ ، ٤١٩٤ ، ٤١٩٦) ، وعن الشعبى (٤١٩٣) ، وعطاء ابن أبى رباح (٤١٩٥) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٥٦).