ولو حمل على ما قال ابن عباس ، رضى الله تعالى عنه ، لكان لا فائدة لذكر التربص.
فإذا بطل ما ذكرنا ثبت قولنا : إن مدة الإيلاء إذا قصرت عن أربعة أشهر لم يلزمه حكم الإيلاء. ولو كان على الأبد لكان لا فائدة فى ذكر المدة ، وألا يعتبر العصيان ولا الطاعة ولا الغضب ولا الرضاء على ما ذكرنا.
وروى فى بعض الأخبار ، أنه قال : الإيلاء ليس بشيء. معناه ما قيل : إن الإيلاء كان طلاق القوم ، فقوله : «ليس بشيء» يقع للحال دون مضى المدة [ثم اختلفوا أيضا بعد مضى المدة](١) قيل أن يفىء إليها فى المدة.
قال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ : إذا مضت أربعة أشهر وقع الطلاق.
وقال قوم : إنه يوقف بعد مضى المدة ، [فإما أن يفىء إليها ، وإما أن يطلقها](٢). واحتجوا فى ذلك إلى أن الله تعالى ذكر الفىء بعد [تربص](٣) أربعة أشهر بقوله : (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ) ؛ لذلك كان له الفىء بعد مضى الأربعة الأشهر ، وروى فى بعض الأخبار الوقف فيه ، وروى عن عمر (٤) وعلى (٥) وعثمان (٦) وعائشة (٧) وابن عمر (٨) ـ رضى الله تعالى عنهم ـ فى المولى : إذا مضت أربعة أشهر فإما أن يفىء وإما أن يطلق. إلى هذا يذهبون. لكن هذا يحتمل أن يكون من الراوى دون أن يكون ما قالت الصحابة.
وأما عندنا : إن قولهم : ذكر الفىء بعد تربص أربعة أشهر ، فذلك لا يوجب الفىء بعد مضيها ؛ ألا ترى إلى قوله : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، ليس أنه يمسكها بعد مضى الأجل ، ولكن معناه : إذا قرب انقضاء أجلهن فأمسكوهن. فعلى ذلك جعل لهم الفىء ، إذا قرب انقضاء أربعة أشهر.
وأما ما روى من (الوقف) ، فليس فيه الوقف بعد مضى أربعة أشهر ، يحتمل الوقف فى الأربعة الأشهر.
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) بدل ما بين المعقوفين فى أ : فإن فاء إليها ، وإلا تطلق.
(٣) سقط فى ط.
(٤) أخرجه ابن جرير (٤٦١٥ ، ٤٦١٦ ، ٤٦١٧) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٤٨٥).
(٥) أخرجه ابن جرير من (٤٦١٨) إلى (٤٦٢٤) ، ومالك ، والشافعى وعبد بن حميد والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).
(٦) أخرجه ابن جرير (٤٦٢٥) ، والشافعى ، والبيهقى ، كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).
(٧) أخرجه ابن جرير من (٤٦٣٣ ـ ٤٦٣٧) ، والشافعى والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٦).
(٨) أخرجه البخارى (٥٢٩١) ، وابن جرير من (٤٦٣٨) إلى (٤٦٤٥) ، ومالك والشافعى وعبد بن حميد والبيهقى كما فى الدر المنثور (١ / ٤٨٥).