فإن قيل : أيش الحكمة فى ذكر (المعروف) فى الإمساك ، و (الإحسان) فى التسريح.
قيل : وذلك أن فى (التسريح) قطع الحقوق التى أوجبها النكاح ، فأمر عند قطعها عنها بالإحسان إليها مبتدئا ، والإحسان أبدا إنما يكون عند ابتداء الفعل ، لا عند المكافأة. وأما (المعروف) فى الإمساك فالنكاح أوجب ذلك ؛ كقوله : (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً). قيل (١) : «الميثاق الغليظ» : الحقوق التى أوجب النكاح. وهذا ـ والله أعلم ـ وجه الحكمة ، و (المعروف) ما عرفا فى النكاح ، و (الإحسان) هو ما يبتدئ مما لم يعرفا.
وقوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ).
فظاهر هذه الآية الكريمة يوجب ابتداء الخطاب للأزواج ، ثم آخرها يوجب الخطاب لهما جميعا ، ثم آخرها يوجب الخطاب لغير الأزواج يحفظ عليهما حدود الصحبة ، فيشبه أن يكون فى الآية الإضمار (فهما الحكمين) ، فيكون كقوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها) فيكونان هما اللذان يحفظان عليها الحد والمحدود.
ويحتمل : أن يكون الخطاب فى قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللهِ) للحكام ؛ لأنهم هم الذين يتولون النظر فى أمور الناس ليقوموهم على حفظ حدود الله.
ثم القول عندنا فى قوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) إذا كان النشوز واقعا من قبل الزوج فإنه لا يحل له أخذ شىء على الخلع استدلالا بقوله : (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) [النساء : ٢٠]. وأما إذا كان النشوز من قبلها فإنه لا بأس أن يأخذ قدر المهر ، ويكره الزيادة [وتجوز](٢). أما قدر المهر فإنه لا بأس إذا كان من قبلها استدلالا بقوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ، ذكر رفع الحرج عن الذى فدى فيما عنه نهى فى غير هذا وهو المؤتمن ؛ لذلك قلنا : إنه يجوز إذا كان النشوز من قبلها قدر المهر. وأما الزيادة فإنها تكره استدلالا بما روى فى الخبر : أن امرأة أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرت بغض زوجها ، فقال : «أتردين عليه حديقته؟» فقالت : نعم ، وزيادة. فقال : «أما الزيادة
__________________
(١) يأتى.
(٢) سقط فى ط.