يحتمل : (نِعْمَتَ) هاهنا محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وهو من أعظم النعم.
ويحتمل (١) : (نِعْمَتَ) ، الإسلام وشرائعه.
ويحتمل : (نِعْمَتَ) ، هى التى أنعمها على خلقه جملة.
النعمة على ثلاثة أوجه :
النعمة بالإسلام ، تقتضى منه المحافظة.
والنعمة الخاصة ، تقتضى الشكر.
والنعم العامة جملة ، تقتضى منه التوحيد.
وقوله : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ) ، وهو القرآن. ففيه دلالة أن (الْكِتابِ) ، هو منزل ، ليس كما يقول القرامطة (٢) ؛ لأنهم يقولون : بأن محمدا صلىاللهعليهوسلم ألف القرآن ، وإنما كان
__________________
(١) قاله ابن جرير (٢ / ٤٩٦).
(٢) وأما تسميتهم بالقرامطة ففى سبب ذلك ستة أقوال :
أحدها : أنهم سموا بذلك ؛ لأن أول من أسس لهم هذه المحنة محمد الوراق المقرمط ، وكان كوفيا.
والثانى : أن لهم رئيسا من السواد من أنباط ، يلقب : بقرمطويه فنسبوا إليه.
والثالث : أن قرمطا كان غلاما لإسماعيل بن جعفر فنسبوا إليه ؛ لأنه أحدث لهم مقالاتهم.
والرابع : أن بعض دعاتهم نزل برجل يقال له : كرمية ، فلما رحل تسمى قرمط بن الأشعب ، ثم أدخله فى مذهبه.
الخامس : أن بعض دعاتهم رجل يقال له : كرمية ، فلما رحل تسمى باسم ذلك الرجل ، ثم خفف الاسم فقيل : قرمط ، قال أهل السير : كان ذلك الرجل الداعى من ناحية خوزستان ، وكان يظهر الزهد والتقشف ، ويسف الخوص ، ويأكل من كسبه ، ويحفظ لقوم ما صرموا من نخلهم فى حظيرة ، ويصلى أكثر الناس ، ويصوم ، ويأخذ عند إفطاره من البقال رطلا من التمر فيفطر عليه ، ويجمع نواه فيدفعه إلى البقال ، ثم يحاسبه على ما أخذ منه ، ويحط من ذلك ثمن النوى.
فسمع التجار الذين صرموا نخلهم فوثبوا عليه وضربوه ، وقالوا : لم ترض بأن أكلت التمر حتى بعت النوى. فأخبرهم البقال فى الحال ، فندموا على ضربه ، وسألوه الإحلال ، فازداد بذلك نبلا عند أهل القرية ، وكان إذا قعد إليه إنسان ذاكره أمر الدين وزهده فى الدنيا ، وأعلمه أن الصلاة المفروضة على الناس خمسون صلاة فى كل يوم وليلة ، ثم أعلم الناس أنه يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثم مرض ومكث مطروحا على الطريق ، وكان فى القرية رجل يحمل على أثوار له ، وكان أحمر العينين ، وكان أهل القرية يسمونه كرمية لحمرة عينيه ، وهو بالنبطية : حار العين ، فكلم البقال كرمية هذا فى أن يحمل هذا العليل إلى منزله ، ويوصى أهل الإشراف عليه والعناية به ، ففعل ، فأقام عنده حتى برئ ، ثم كان يأوى إلى منزله ودعا أهل القرية إلى أمره فأجابوه ، وكان يأخذ من الرجل إذا دخل فى دينه دينارا ، ويزعم أنه يأخذ ذلك إلى الإمام ، فمكث يدعو أهل القرى فيجيبونه ، واتخذ منهم اثنى عشر نقيبا ، وأمرهم أن يدعوا الناس إلى دينه ، وقال لهم : أنتم كحواريى عيسى بن مريم عليهماالسلام ، فشغل أكرة تلك الناحية عن أعمالهم بما رسمه لهم من الخمسين صلاة التى ذكر أنها فرضت عليهم.
وكان للهيصم فى تلك الناحية ضياع ، فوقف على تقصير أكرته فى العمارة ، فسأل عن ذلك ، ـ