يوحى إليه كما يتوهم الرجل شيئا فيجعله كلاما.
وقوله : (وَالْحِكْمَةِ) ، اختلف فيه :
قيل : (وَالْحِكْمَةِ) ، الفقه.
وقيل : (وَالْحِكْمَةِ) ، الحلال والحرام.
وقيل : (وَالْحِكْمَةِ) ، المواعظ.
وقيل : (وَالْحِكْمَةِ) ، هى الإصابة : إصابة موضع كل شىء منه.
وقيل : (الْحِكْمَةِ) ، القرآن ، وهو من الإحكام والإتقان ، كأنه قال ـ عزوجل ـ : «اذكروا ما أعطاكم من الفقه والإصابة والكتاب المحكم والمتقن الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه».
وقوله : (يَعِظُكُمْ بِهِ) ، يعنى بالقرآن.
__________________
ـ فأخبر أن رجلا قدم عليهم فأظهر لهم مذهبا من الدين ، وأعلمهم أن الله عزوجل قد افترض عليهم خمسين صلاة فى اليوم والليلة ، وقد اشتغلوا بها فوجه إليه فجىء به فسأله عن أمره ، فأخبره بقصته ، فحبسه فى بيت ، وحلف بقتله ، وأقفل عليه ، وترك المفتاح تحت وسادته ، ونام ، فرقت له جارية ، فأخذت المفتاح ، وفتحت وأخرجته ، ثم أعادت المفتاح إلى موضعه ، فلما أصبح الهيصم فتح الباب ، فلم يجده فشاع ذلك الخبر ، فعبر به أهل تلك الناحية وقالوا : قد رفع.
ثم ظهر فى موضع آخر ولقى جماعة من أصحابه فسألوه عن قصته ، فقال : ليس يمكن أحدا أن يؤذينى. ثم خاف على نفسه ، وخرج إلى الشام ، وتسمى باسم الرجل الذى كان فى منزله كرميته ، ثم خفف فقيل : قرمط ، وفشا أمره وأمر أصحابه ، وكان قد لقى صاحب الزنج فقال له : أنا على مذهب ورائى مائة ألف سيف ، فناظرنى ، فإن اتفقنا ملت بمن معى إليك ، وإن تكن الأخرى انصرفت ، فناظره فاختلفا ففارقه.
السادس : أنهم لقبوا بهذا نسبة إلى رجل من دعاتهم يقال له : حمدان بن قرمط ، وكان حمدان هذا من أهل الكوفة يميل إلى الزهد ، فصادفه أحد دعاة الباطنية فى طريق ، وهو متوجه إلى قرية وبين يديه بقر يسوقها ، فقال حمدان لذلك الداعى وهو لا يعرفه : أين تقصد؟ فسمى قرية حمدان ، فقال له : اركب بقرة من هذه البقر لتستريح من المشى. فقال : إنى لم أؤمر بذلك : قال كأنك لا تعمل إلا بأمر؟ قال : نعم! فقال حمدان : وبأمر من تعمل؟ قال : بأمر مالكى ومالكك ومالك الدنيا والآخرة ، فقال : ذلك الله عزوجل ، قال : صدقت قال : وما غرضك فى هذه البقعة؟ قال : أمرت أن أدعو أهلها من الجهل إلى العلم ، ومن الضلال إلى الهدى ، ومن الشقاوة إلى السعادة ، وأستنقذهم من ورطات الذل والفقر ، وأملكهم ما لا يستغنون به من التعب والكد ، فقال له حمدان : أنقذنى أنقذك الله ، وأفض على من العلم ما تحيينى به ، فما أشد حاجتى إلى ذلك ، فقال : ما أمرت أن أخرج السر المكنون إلى كل أحد إلا بعد الثقة به ، والعهد إليه ، فقال له : فاذكر عهدك ، فإنى ملتزم به. فقال : أن تجعل لى وللإمام على نفسك عهد الله وميثاقه ألا تخرج سر الإمام الذى ألقيه إليك ولا تفشى سرى أيضا. فالتزم حمدان عهده ، ثم اندفع الداعى فى تعليمه فنون جهل ، حتى استدرجه واستغواه واستجاب له فى جميع ما دعاه إليه ، ثم انتدب للدعوة ، وصار أصلا من أصول هذه البدعة فسمى أتباعه القرمطية.