النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٢٣٧)
وقوله : (لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ).
فيه دليل رخصة طلاق غير المدخولات بهن فى الأوقات كلها ؛ إذ لا يتكلم بنفى الجناح إلا فى موضع الرخصة ، ولم يخص وقتا دون وقت. وأما المدخولات بهن فإنه عزوجل ذكر لطلاقهن وقتا بقوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) [الطلاق : ١] ؛ لذلك قال أصحابنا ـ رحمهمالله تعالى ـ : أن لا بأس للرجل أن يطلق امرأته فى حال الحيض [إذا لم يدخل بها](١).
وجهه : أنه إذا كان دخل بها فعرف وقت طهرها مما سبق من الدخول بها ، فأمر بالطلاق فى ذلك الوقت ليكون أدعى إلى المراجعة إذا ندم على طلاقها. وأما التى لم يدخل بها لا يعرف وقت طهرها لما لم يسبق منه ما به يعرف ذلك الوقت ، فلم يؤمر بحفظ ذلك الوقت. ولأنه إذا لم يدخل بها فإن الطلاق بينهما منه ، فجعل كل الأوقات له وقتا للطلاق ، لما لم يجعل له حق المراجعة قبلها ليكون بعض الأوقات له أدعى إلى ذلك. والله أعلم.
والثانى : أن المدخول بها يتوهم علوقها منه ، فجعل لطلاقها وقتا لتستبين حالها : أحامل ، أم لا؟ لئلا يندم على طلاقها ؛ لأن الرجل إذا طلق امرأته ثم علم أنها حامل يندم على طلاقها ؛ لذلك كان الجواب ما ذكرنا. والله أعلم.
وفيه دليل رخصة طلاق المبين (٢) منه إذا لم يملك إمساكها عند الندامة. لأن الطلاق قبل الدخول تبين المرأة من زوجها.
والأصل فى الأمرين ـ جعل الطلاق فى وقت حلها للأزواج. وكل الأوقات فى غير المدخول بها وقت الحل.
وقوله تعالى : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)
معناه ـ ولم تفرضوا لهن فريضة ، كأنه عطف على قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) إلى قوله عزوجل : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) ، دليله قوله تعالى : (وَمَتِّعُوهُنَّ) ، دل الأمر بالمتعة أن قوله تعالى : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ) ، معناه ـ ولم تفرضوا لهن. ودل قوله عزوجل : (فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ) ، أن ذلك فى غير المفروض لها ؛ حيث أوجب فى المفروض نصف المفروض
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين فى أ ، ط : إذا كان لهم لم يدخل بها.
(٢) فى أ : البين.