وأوجب ثمّ المتعة. ثم يجىء فى القياس أن يوجب فى غير المفروض نصف مهر المثل إلا المتعة ؛ لأنه إذا دخل بها أوجب كل مهر المثل كما أوجب كل المفروض عند الدخول بها ، ونصف المفروض عند عدم الدخول بها ، لكن أوجب المتعة لوجهين :
أحدهما : أن مهر المثل إنما يقدر بها إذا دخل بها ، فإذا لم يدخل بها لم يعرف الزوج ما قدر مهر مثلها؟ ، فإذا لم يعرف ما قدر مهر مثلها لم يعرف النصف من ذلك.
والثانى : أنهم أوجبوا المتعة تخفيفا وتيسيرا ؛ لأن الحاكم يلحقه فضل كلفة وعناء فى تعرف حالها وحال نسائها ، إذ مهر المثل إنما يعتبر بنسائها ، وليس ذلك فى المتعة. والله أعلم.
ثم قدر المتعة : يعتبر شأنه اعتبارا بقدرها ؛ لأنه لو اعتبر شأنه قدر ما أوجب لها غناءها وغناء أهلها ، ومهر المثل لا يبلغ ذلك ، فكان فى ذلك تفضيل المتعة على مهر المثل ـ وقد ذكرنا أن المتعة أوجب تخفيفا ـ ولو نظر إلى قدرها دون قدره لكلف الزوج ما لا طاقة له به ولا وسع ؛ لذلك وجب النظر إلى قدره اعتبارا بقدرها. والله أعلم.
وقوله : (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) ، أو نسق على قوله : (ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) ، فهو على : «ما لم تفرضوا لهن فريضة» ، وعلى ذلك قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً) [الأحزاب : ٤٩] ، وعلى هذا إجماع القول فى جواز النكاح بغير تسمية.
وفى ذلك دليل أن قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) [النساء : ٢٤] ، هو ما يبتغى من النكاح بالمال ، لا بتسمية المال ، فيكون النكاح موجبا له ، به يوصل إلى حق الاستمتاع ، لا بالتسمية ؛ ولهذا كان لها حق حبس نفسها عنه حتى يسلم إليها ما منع عن الملك إلا مهر به مسمى أو غير مسمى ، كقوله تعالى : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [المائدة : ٥] ، وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ ..). الآية [الأحزاب : ٥٠].
وإذا جاز النكاح بلا تسمية لم يفسده فساد التسمية ، بل الذى أفسد فى أعلى أحواله كأنه لم يكن ، وعلى ذلك اتفاق فيما يتزوج المرأة على ما لا يحل من خمر أو ميتة أو نحو ذلك أن يجوز ؛ فيكون فى ذلك أمران :
أحدهما : أن ما لا يتعلق جوازه بالشرط ، ففساد الشرط لا يفسد.