أنها هى صلاة العصر (١).
وقال قائلون : هى الفجر ؛ ذهبوا فى ذلك إلى أن النهار يجمع الصلاتين ، والليل بطرفيه كذلك ، فالفجر أوسطها. وكذلك روى عن ابن عباس (٢) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : هى الفجر.
وقال آخرون : هى الظهر ؛ ذهبوا فى ذلك إلى أنها إنما تقام وسط النهار ، فسميت بذلك. وكذلك روى عن ابن عمر (٣) ـ رضى الله تعالى عنه ـ أنه قال : هى صلاة الظهر.
ومن قال : هى العصر ، ذهب فى ذلك إلى ما روى من الخبر ، وإلى أن العصر هى الواسطة من صلاتى النهار وصلاتى الليل ؛ لأن صلاتين بالنهار قبلها ، وصلاتين بالليل بعدها ، فهى الواسطة.
والقياس : أن تكون هى المغرب ؛ لأن الظهر سميت أولى ، والعصر تكون الثانية ، فالمغرب هى الواسطة. لكن لم يقولوا به.
وفيه دلالة أن الصلاة وتر ؛ لأن الشفع مما لا وسطى له.
ثم جهة الخصوصية ـ أيها كانت؟ فإن كانت عصرا : فهو ما ذكر أن الكفرة حملوا على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى صلاة العصر (٤) ، فلم يتهيأ لهم إقامتها ، فقالوا : احفظوا عليهم صلاة هى أكرم عليهم من أنفسهم وأموالهم. فظهر بهذا أن لها فضلا وخصوصية من عند الله ورسوله. وما روى فى الخبر أيضا من قوله صلىاللهعليهوسلم : «من فاتته العصر وتر أهله وماله» (٥).
فإن كانت فجرا ؛ فلأن الكتاب ذكرها بقوله : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) [الإسراء : ٧٨] ، ولما قيل : إن ملائكة الليل والنهار يشهدونها (٦) ، فظهرت لها الخصوصية والفضل.
__________________
(١) أخرجه ابن جرير من (٥٤٦٤) إلى (٥٤٦٨) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٧).
(٢) أخرجه ابن جرير من (٥٤٧٥) إلى (٥٤٨٢) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٥).
(٣) أخرجه ابن جرير (٥٤٥٨ ، ٥٤٥٩ ، ٥٤٦٠) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٥٣٧).
(٤) فى أ : الظهر.
(٥) أخرجه البخارى (٢ / ٣٠) كتاب الصلاة باب إثم من فاتته العصر (٥٥٢) ، ومسلم (١ / ٤٣٥) ، كتاب المساجد باب التغليظ فى تفويت العصر (٢٠٠ / ٦٢٦).
(٦) ورد فى معناه حديث عن أبى هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ، ويجتمعون فى صلاة الفجر وصلاة العصر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ـ وهو أعلم بهم ـ كيف تركتم عبادى؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون».
أخرجه البخارى (١ / ٢٢١) كتاب مواقيت الصلاة ، باب فضل صلاة العصر (٥٥٥) ، ومسلم (١ / ٤٣٩) كتاب المساجد ، باب فضل صلاة الصبح والعصر (٢١٠ / ٦٣٢).