أَنْصارٍ (٢٧٠) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(٢٧١)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ).
فيه دليل وجوب الزكاة فى أموال التجارة بقوله : (ما كَسَبْتُمْ) ؛ لأن أموال التجارة هى التى تكتسب ، وليس فى كتاب الله تعالى بيان وجوب الزكاة فى أموال التجارة فى غير هذا الموضع ، وليس فيه سنة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكن ذكر عن بعض الصحابة ـ رضى الله تعالى عنهم ـ القول به ؛ فيحتمل أن يكون ما قالوا قالوا بهذه الآية. وأما زكاة الفضة ، والذهب ، والمواشى فيما لها ذكر فى الكتاب والسنة ، فالزكاة تجب فيها لعينها ، اكتسب فيها أو لم يكتسب. وأما أموال التجارة فإن الزكاة تجب فيها بالاكتساب. وفيه دليل أن النفقة المذكورة فيه لازمة واجبة ؛ لأنه قال : (إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ، ذكر الإغماض ، والإغماض لا يذكر فى المعروف ، إنما يذكر فى اللازم والواجب الذى لا مخرج له عنه إلا بالأداء ، إلا عن عفو وصفح والرضاء بدون الحق ـ ثبت أنه على اللزوم.
وفيه دليل وجوب الحق فى الرطاب والخضراوات ؛ لأنه ذكر فى الآية المخرج ، والرطاب هى التى تخرج من الأرض. وأما الحبوب إنما تخرج من الأصل الذى يخرج من الأرض ؛ لذلك كان الرطاب والخضراوات أولى بوجوب الحق من غيره بظاهر الآية.
قال الشيخ ـ رحمهالله تعالى ـ : والوجوب فى الحبوب بما كانت تخرج من الحقوق ، والحقوق بظاهر هذه الوجوه فى التى تخرج من الأرض. وأما أبو يوسف ومحمد ـ رحمهماالله تعالى ـ فإنهما قالا : يحتمل قوله : (أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) ، يعنى من الأصل الذى يخرج لكم من الأرض ، كقوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) [الأعراف : ٢٦] ، ولا ينزل من السماء اللباس كما هو ، ولكن أراد الأصل الذى به يكون اللباس ، وكذلك قوله : (خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) [فاطر : ١١] ، وهو لم يخلقنا من التراب ، وإنما خلق الأصل من التراب ، وهو آدم ـ عليهالسلام ـ فعلى ذلك الأول. والله أعلم.
والوجه فيه : أنه منّ الله تعالى علينا بما أخرج لنا من الأرض من أنواع ما أخرج بحبة تلقى فى الأرض فتفسد فيها ، فيخرج منها النبات بلطفه ، لا صنع لأحد فيها. وتلك المنة لا تكون على أربابها خاصة دون الفقراء أو بل هى على الفقراء كهى على أربابها ؛ لأنه أخرجه رزقا للكل ، ففيه حق الفقراء والأغنياء جميعا. ومن ثم جاز وجوب العشر على