فيه فهو ممن قد تضمنه الخطاب ، ويجوز فى حالة الفرض أيضا ؛ إذ لو شهد ليلة الصيام فعزم على الصيام يجوز له فرضه ، فدخل فى حق الخطاب ، ثم اعترضه فى سائر الليالى عذر منع النية ، لا عذر منع الصيام ، فيقتضيه إذ هو أهل الحكم للآية التى ذكرنا ، والقيام (١) بذلك الفرض على ما وصفنا ، ففاته بفوت النية كمن كان فوت لعذر المرض (٢)
__________________
ـ به ، يدع شهوته وطعامه من أجلى» فأضاف ترك الطعام والشراب إليه ، فإذا كان مغمى عليه فلا يضاف الإمساك إليه ، فلم يجزئه. وذهب الحنفية إلى صحة صومه ؛ لأن نيته قد صحت ، وزوال الاستشعار بعد ذلك لا يمنع صحة الصوم ، كالنوم. أما إذا أفاق أثناء النهار ، فذهب الحنفية إلى تجديد النية إذا أفاق قبل الزوال ، وذهب المالكية إلى عدم صحة صومه ، وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا أفاق فى أى جزء من النهار صح صومه ، سواء أكان فى أوله أم فى آخره. وفرق الشافعية بين الجنون والإغماء ، فالمذهب : أنه لو جن فى أثناء النهار بطل صومه ، وقيل : هو كالإغماء. وأما الردة بعد نية الصوم فتبطل الصوم بلا خلاف.
ينظر : جواهر الإكليل (١ / ١٤٨) ، والشرح الكبير للدردير (١ / ٥٢٠) ، والمغنى (٣ / ٩٨).
(١) فى أ : للقيام.
(٢) المرض هو : كل ما خرج به الإنسان عن حد الصحة من علة. قال ابن قدامة : أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض فى الجملة ، والأصل فيه قول الله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، وعن سلمة بن الأكوع ـ رضى الله تعالى عنه ـ قال : لما نزلت هذه الآية : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ) مِسْكِينٍ كان من أراد أن يفطر ، يفطر ويفتدى ، حتى أنزلت الآية التى بعدها يعنى قوله تعالى : (شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة : ١٨٤] فنسختها. فالمريض الذى يخاف زيادة مرضه بالصوم أو إبطاء البرء أو فساد عضو ، له أن يفطر ، بل يسن فطره ، ويكره إتمامه ؛ لأنه قد يفضى إلى الهلاك ، فيجب الاحتراز عنه. ثم إن شدة المرض تجيز الفطر للمريض. أما الصحيح إذا خاف الشدة أو التعب ، فإنه لا يجوز له الفطر ، إذا حصل له بالصوم مجرد شدة تعب ، هذا هو المشهور عند المالكية ، وإن قيل بجواز فطره. وقال الحنفية : إذا خاف الصحيح المرض بغلبة الظن فله الفطر ، فإن خافه بمجرد الوهم ، فليس له الفطر. وقال المالكية : إذا خاف حصول أصل المرض بصومه ، فإنه لا يجوز له الفطر ـ على المشهور ـ إذ لعله لا ينزل به المرض إذا صام. وقيل : يجوز له الفطر. فإن خاف كل من المريض والصحيح الهلاك على نفسه بصومه ، وجب الفطر. وكذا لو خاف أذى شديدا ، كتعطيل منفعة ، من سمع أو بصر أو غيرهما ؛ لأن حفظ النفس والمنافع واجب ، وهذا بخلاف الجهد الشديد ، فإنه يبيح الفطر للمريض ، قيل : والصحيح أيضا.
وقال الشافعية : إن المريض ـ وإن تعدى بفعل ما أمرضه ـ يباح له ترك الصوم ، إذا وجد به ضررا شديدا ، لكنهم شرطوا لجواز فطره نية الترخص ـ كما قال الرملى واعتمده ـ وفرقوا بين المرض المطبق ، وبين المرض المتقطع : فإن كان المرض مطبقا ، فله ترك النية فى الليل. وإن كان يحمّ وينقطع ، نظر : فإن كان محموما وقت الشروع فى الصوم ، فله ترك النية ، وإلا فعليه أن ينوى من الليل ، فإن احتاج إلى الإفطار أفطر. ومثل ذلك الحصاد والبناء والحارس ـ ولو متبرعا ـ فتجب عليهم النية ليلا ، ثم إن لحقتهم مشقة أفطروا. قال النووى : ولا يشترط أن ينتهى إلى حالة لا يمكنه فيها الصوم ، بل قال أصحابنا : شرط إباحة الفطر أن يلحقه بالصوم مشقة يشق احتمالها ، وأما المرض اليسير الذى لا يلحق به مشقة ظاهرة فلم يجز له الفطر ، بلا ـ