إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥) لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ)(٢٨٦)
وقوله تعالى : (لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ).
هو ظاهر ، إذ ما فى السموات والأرض كلهم عبيده وإماؤه ، ردّا على قولهم : (عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، و (الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) [التوبة : ٣٠] ، و «الملائكة بنات الله». وقد ذكرنا الوجه فيما تقدم فى غير موضع.
وقوله تعالى : (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ).
ومن الناس من استدل على نسخها بقوله : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ، لكنه لا يحتمل ؛ لأن الآية وعد وخبر بالمحاسبة ، والوعد لا يحتمل النسخ ؛ لأنه خلف وبداء ، وذلك ممن يجهل بالعواقب ، تعالى الله عزوجل عن ذلك علوا كبيرا.
ثم اختلف فيه :
قال الحسن : هو على ما عزم لا على ما خطر بالنفس. وكذا قوله : «من هم». ويحتمل : أن يكون على التقديم والتأخير : إن تخفوا ما فى أنفسكم أو تبدوه يحاسبكم به الله.
ويحتمل أيضا : إن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه وعزمتم عليه وعقدتم ، لا على الخطر فيه أو حديث النفس ، على ما روى : «من هم بحسنة فله كذا ، ومن هم بسيئة فكذا» ، ليس على ما يخطر فيه أو حديث النفس ، على ما روى ، وتحدث النفس به ، ولكن على العزم عليه والاعتقاد. وكذلك قوله : (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) [يوسف : ٢٤] ، همت هى به هم عزم ، وهو هم بها هم خطر. والمرء غير مؤاخذ بما يخطر فى القلب وتحدث النفس به ، إنما يؤاخذ على ما عزم واعتقد عليه. والله أعلم.
وقوله تعالى : (فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
فيه دليل ما قلنا : إنه على العزم والاعتقاد عليه ؛ لما ذكرنا من العفو والعقوبة عليه.
وقوله تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).
قوله : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ) ، يحتمل وجهين :