بسم الله الرّحمن الرّحيم
قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)(١٧٧)
قيل : (لَيْسَ الْبِرَّ) فى نفس التوجه إلى ما ذكر دون الإيمان.
ويحتمل : (لَيْسَ الْبِرَّ) فى ذلك ، ولكن البر لمن يقصد إليه ، إذ قد يقع ذلك لحوائج تعرض ، تخرج عن القربة.
ويحتمل : (لَيْسَ الْبِرَّ) فى التوجه إلى كذا ، ولكن البر فى الائتمار لأمره والطاعة له ، والبر هو الطاعة فى الحقيقة.
وقيل (١) : (لَيْسَ الْبِرَّ) تحويل الوجه إلى المشرق والمغرب ، (وَلكِنَّ الْبِرَّ) ما ثبت فى القلب من طاعة الله وصدقته الجوارح.
وقيل (٢) : (لَيْسَ الْبِرَّ) أن تصلوا ولا أن تعملوا غير الصلاة. كل ذلك يرجع إلى واحد.
وجملته أن يقال : ليس البر كله ذلك ، لكن ما ذكر ، إذ ذلك الوجه هم استعظموه حتى قال الله تعالى : (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥].
والثانى : أن يكون ذلك بنفسه ليس ببر ، وإنما صار برّا بالأمر به ، أو بما ذكر من الإيمان والخيرات. فلمّا زال عنه الوجهان سقط فعله أن يكون برّا.
وقوله : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ) ، بأنه واحد ، لا شريك له. يعنى صدق بالله بأنه واحد ، لا شريك له.
(وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ، وصدق بالبعث الذى [فيه] جزاء الأعمال ، وصدق بالكتب ، والملائكة ، [والكتاب](٣) والنبيين.
وللبر تأويلان :
أحدهما : ما قيل.
والثانى : على الإضمار ؛ كأنه قال : ليس البر بر من يولى وجهه ، ولكن البر بر من آمن بالله ، كما قال : (أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ
__________________
(١) قاله مجاهد ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٢٢ ، ٢٥٢٣ ، ٢٥٢٤).
(٢) قاله ابن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٥٢١ ، ٢٥٢٤) ، وانظر الدر المنثور (١ / ٣١٠).
(٣) سقط فى ط.