__________________
ـ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ، ولأنه لما استهل فى الحضر لزمه صوم الإقامة ، وهو صوم الشهر حتما ، فهو بالسفر يريد إسقاطه عن نفسه فلا يملك ذلك ، كاليوم الذى سافر فيه ، فإنه لا يجوز له أن يفطر فيه.
وفى وقت جواز الفطر للمسافر ثلاث أحوال :
الأولى : أن يبدأ السفر قبل الفجر ، أو يطلع الفجر وهو مسافر ، وينوى الفطر ، فيجوز له الفطر إجماعا ـ كما قال ابن جزى ـ لأنه متصف بالسفر ، عند وجود سبب الوجوب.
الثانية : أن يبدأ السفر بعد الفجر ، بأن يطلع الفجر وهو مقيم ببلده ، ثم يسافر بعد طلوع الفجر ، أو خلال النهار ، فإنه لا يحل له الفطر بإنشاء السفر بعد ما أصبح صائما ، ويجب عليه إتمام ذلك اليوم ، وهذا مذهب الحنفية والمالكية ، وهو الصحيح من مذهب الشافعية ، ورواية عن أحمد ، وذلك تغليبا لحكم الحضر. ومع ذلك لا كفارة عليه فى إفطاره عند الحنفية ، وفى المشهور من مذهب المالكية ، خلافا لابن كنانة ، وذلك للشبهة فى آخر الوقت. ولأنه لما سافر بعد الفجر صار من أهل الفطر ؛ فسقطت عنه الكفارة. والصحيح عند الشافعية : أنه يحرم عليه الفطر حتى لو أفطر بالجماع لزمته الكفارة. والمذهب عند الحنابلة وهو أصح الروايتين عن أحمد ، وهو ما ذهب إليه المزنى وغيره من الشافعية : أن من نوى الصوم فى الحضر ، ثم سافر فى أثناء اليوم ، طوعا أو كرها ، فله الفطر بعد خروجه ومفارقته بيوت قريته العامرة ، وخروجه من بين بنيانها ، واستدلوا بما يلى : ظاهر قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) ، وحديث جابر ـ رضى الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى مكة عام الفتح فصام حتى بلغ كراع الغميم ، وصام الناس معه ، فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصيام ، وإن الناس ينظرون فيما فعلت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر ، فشرب ـ والناس ينظرون إليه ـ فأفطر بعضهم ، وصام بعضهم ، فبلغه أن ناسا صاموا ، فقال : «أولئك العصاة». وحديث ابن عباس ـ رضى الله تعالى عنهما ـ قال : «خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم عام الفتح إلى مكة ، فى شهر رمضان ، فصام حتى مر بغدير فى الطريق ، وذلك فى نحر الظهيرة. قال : فعطش الناس ، جعلوا يمدون أعناقهم ، وتتوق أنفسهم إليه. قال : فدعا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقدح فيه ماء ، فأمسكه على يده ، حتى رآه الناس ، ثم شرب ؛ فشرب الناس». وقالوا : إن السفر مبيح للفطر ، فإباحته فى أثناء النهار كالمرض الطارئ ولو كان بفعله. وقال الذين أباحوه من الشافعية : إنه تغليب لحكم السفر. وقد نص الحنابلة المؤيدون لهذا الرأى على أن الأفضل لمن سافر فى أثناء يوم نوى صومه إتمام صوم ذلك اليوم ، خروجا من خلاف من لم يبح له الفطر ، وهو قول أكثر العلماء ؛ تغليبا لحكم الحضر ، كالصلاة.
الثالثة : أن يفطر قبل مغادرة بلده. وقد منع من ذلك الجمهور ، وقالوا : إن رخصة السفر لا تتحقق بدونه ، كما لا تبقى بدونه ، ولما يتحقق السفر بعد ، بل هو مقيم وشاهد ، وقد قال تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)، ولا يوصف بكونه مسافرا حتى يخرج من البلد ، ومهما كان فى البلد فله أحكام الحاضرين ؛ ولذلك لا يقصر الصلاة. والجمهور الذين قالوا بعدم جواز الإفطار فى هذه الصورة ، اختلفوا فيما إذا أكل ، هل عليه كفارة؟ فقال مالك : لا. وقال أشهب : هو متأول. وقال غيرهما : يكفر. وقال ابن جزى : فإن أفطر قبل الخروج ، ففى وجوب الكفارة عليه ثلاثة أقوال ، يفرق فى الثالث بين أن يسافر فتسقط ، أو لا فتجب.
ويتصل بهذه المسائل فى إفطار المسافر : ما لو نوى فى سفره الصوم ليلا ، وأصبح صائما ، من غير أن ينقض عزيمته قبل الفجر ، لا يحل فطره فى ذلك اليوم عند الحنفية والمالكية ، وهو وجه محتمل عند الشافعية ، ولو أفطر لا كفارة عليه ؛ للشبهة. قال ابن عابدين : وكذا لا كفارة عليه ـ