المحكم منه ، ولكن يلزم الإيمان به ، وهو من الله محنة على عباده ، ولله أن يمتحن خلقه بما شاء من أنواع المحن ؛ لأنها دار محنة. وغيرها لا يفهم (١) مرادها (٢).
ويحتمل أن يكون المحكمات : هن ما ظهر لكل أحد من أهل الإسلام ؛ حتى لم يختلفوا فيها.
والمتشابه : هو الذي اشتبه على الناس ؛ لاختلاف الألسن فاختلفوا فيها ، ولما يؤدي ظاهره إلى غير ما يؤدي باطنه ؛ فتعلق بعضهم بالظاهر فقالوا به ، وتعلق آخرون بالباطن ؛ لما رأوا ظاهره جورا وظلما (٣) أو تشبيها ، على اتفاقهم على نفي الجور والظلم عنه ، ويجوز لمن يوقف على المتشابه بمعرفة المحكم.
وقال آخرون : المحكم : هو الواضح المبين ، فلو كان على ما قالوا لم يكن لاختلاف الناس فيه ، وادعاء كل أنّ الذي هو عليه هو المحكم ؛ لأنه لو كان ظاهرا مبيّنا لتمسّكوا به ، ولم يقع بينهم اختلاف.
وفيه دليل ونقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون بالأصلح في الدين (٤) : أنه لا يفعل إلا
__________________
(١) في ب : ما لا يفهم.
(٢) قال الطبري : وقال آخرون : بل «المحكم» من آي القرآن : ما عرف العلماء تأويله وفهموا معناه وتفسيره. والمتشابه : ما لم يكن لأحد إلى علمه سبيل مما استأثر الله بعلمه دون خلقه ... وهذا قول ذكر عن جابر بن عبد الله بن رئاب. جامع البيان (٦ / ١٧٩ ـ ١٨٠).
(٣) أما الجور : فهو الميل ـ أيضا ـ لغة : يقال : جار السهم : إذا زال عن سننه. إلا أنه في الشرع استعمل في الميل عن الحق إلى الباطل.
وأما الظلم ـ في اللغة ـ فعبارة عن : وضع الشيء في غير محله. يقال في المثل : من أشبه أباه فما ظلم ـ أي : هذا الشبه ليس في غير موضعه ، ويقال : ظلم الشعر إذا ابيضّ في غير حينه.
ينظر : ميزان الأصول للسمرقندي (١ / ١٥٢) ، ومختار الصحاح للرازي (٣٩).
(٤) إن فكرة الصلاح والأصلح فكرة من بنات أفكار أهل الاعتزال ، وقد كثر الحديث عنها بين أهل السنة والجماعة والمعتزلة ، حتى المعتزلة أنفسهم لم تتفق كلمتهم في تحديد مدلول الصلاح ، هل هو في الدين فقط أم في الدين والدنيا معا؟
يقول العلامة الباجوري : «واعلم أن للمعتزلة عبارتين ؛ الأولى : وجوب الصلاح ، والمراد به ما قابل الفساد كالإيمان في مقابلة الكفر ، فيقولون : إذا كان هناك أمران ؛ أحدهما : صلاح ، والآخر : فساد ، وجب على الله أن يفعل الصلاح منهما دون الفساد.
والثانية : وجوب الأصلح ، والمراد به ما قابل الصلاح ككونه أعلى الجنان في مقابلة كونه في أسفلها ، فيقولون إذا كان هناك أمران أحدهما : صلاح ، والآخر : أصلح منه وجب على الله أن يفعل الأصلح منهما دون الصلاح. فالحاصل أن المعتزلة توجب على الله ـ تعالى ـ فعل الصلاح والأصلح ؛ غير أنهم انقسموا إلى فريقين :
فمدرسة بغداد الاعتزالية ترى أنه يجب على الله ـ تعالى ـ مراعاة الصلاح والأصلح لعباده في الدين والدنيا.
ومدرسة البصرة الاعتزالية ترى أنه يجب عليه ـ تعالى ـ مراعاة الصلاح والأصلح لعباده في ـ