ويحتمل قوله : (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) ، أي : مقصود الكتاب ، يعني : المحكمات ، والمتشابهات مما فيه شبه (١) من غيره ؛ فيتشابه ؛ فهو متشابه ؛ كقولهم : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) [البقرة : ٧٠] ؛ وكذلك المشكل (٢) سمي مشكلا ؛ لما يدخل فيه شكل من غيره فسمي مشكلا ؛ فكذلك المتشابه يدخل فيه شبه غيره ؛ فصار متشابها ، والله أعلم.
وقوله [عزوجل](٣) : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ)
قيل : ميل عن الحق (٤).
وقيل : الزيغ : هو الريب والشك (٥).
(فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ)
ولو كان ثم اتباع لعذروا ؛ إذ الاتباع للشيء اتباع ما فيه من المراد ؛ وعلى هذا يقولون في قوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) [البقرة : ١٢١] : أي يتبعونه حق اتباعه ، وكذلك قوله : (اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الأعراف : ٣]. والمتشابه قد أنزل إلينا من ربنا ؛ فيحمد متبعه في الحقيقة ؛ فثبت أنه لم يكن ثم اتباع في الحقيقة ، وأنه لو كان لعذروا ، ولكنه كان ـ والله أعلم ـ اتباع الآراء في التأويل بالآراء الفاسدة ؛ ألا ترى أنهم طلبوا بالتأويل منتهى ملك هذه الأمّة؟! وفي الوقوف عليه وقوف على علم الساعة وسبب
__________________
(١) في ب : شبهة.
(٢) المشكل في اللغة : مأخوذ من قولهم : أشكل أي : دخل في أمثاله وأشكاله. يقال : أشكل الأمر : التبس ، وحرف مشكل : ملتبس ومشتبه. والشكل : الشبه والمثل.
وعند علماء الأصول : هو اللفظ الذي اشتبه مراد المتكلم للسامع بعارض الاختلاف بغيره من الأشكال ، مع وضوح معناه اللغوي. أي : هو ما اشتبه مراده بحيث لا يدرك إلا بالتأمل. وقيل : هو ما أشكل على السامع طريق الوصول إلى المعاني ؛ لدقة المعنى في نفسه ، مثل قوله ـ تعالى ـ : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة : ٢٢٣] اشتبه معناه على السامع أنه بمعنى كيف ، أو بمعنى أين ، يعرف بعد الطلب والتأمل أنه بمعنى كيف بقرينة الحرث ، وبدلالة حرمة القربان في الأذى العارض ، وهو الحيض ، ففي الأذى اللازم أولى ، وفيه زيادة خفاء ، ولذلك قالوا : المشكل كرجل تغرب عن وطنه فاختلط بأشكاله من الناس ، فيطلب موضعه ، ويتأمل في أشكاله ليوقف عليه.
ينظر : لسان العرب (٤ / ٢٣١٠) (شكل) ، والصحاح (٥ / ١٧٣٧) (شكل) ، ترتيب القاموس (٢ / ٧٧٣) ، وميزان الأصول للسمرقندي (١ / ٥١٠) ، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي لعبد العزيز البخاري (١ / ٥٢) ، وفصول البدائع في أصول الشرائع (٨٥) ، والكليات لأبي البقاء (٣٤٠) ، وجامع العلوم للباقولي (٣ / ٢٦٦ ، ٢٦٧).
(٣) سقط من أ.
(٤) قاله محمد بن جعفر بن الزبير أخرجه عنه الطبري (٦ / ١٨٤) رقم (٦٥٩٢).
(٥) قاله ابن عباس أخرجه عنه الطبري (٦ / ١٨٤) رقم (٦٥٩٥) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٦٢) ، رقم (٩٨) ، وابن المنذر كما في الدر المنثور (٢ / ٨). وقاله أيضا ابن مسعود وناس من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أخرجه الطبري (٦ / ١٨٤) رقم (٩٥٩٦).