ويكون المبتدع (١) في ابتغاء تأويله ؛ يريد التلبيس على من لزم تلك الجملة ، وكذلك لأهل جمل في الدّين مرفوع عليه ، كذا التنازع وترك الاشتغال بتأويل ما اعترضه ، لكان متبع المحكم عند الأمة مطيعا المتشابه ، ولا قوة إلا بالله.
وإن كان هو الأوّل فقد ذكر أن ذلك في استخراج منتهى ملك هذه الأمة ، وأن نهايته الساعة ، والعلم به لم يطلع عليه الرسل فضلا عمن (٢) دونهم ، أو كان ذلك في أشياء تقصر عقول الضعفاء عن الإحاطة بذلك ؛ يريدون بذلك التلبيس على العوام وأهل الغباوة ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ بما ذكر أنه لا يعلمه إلا الله كان ذلك فيما يعلمه غيره أو لا ، فإن كان أطلعه فبالله علم ، لا أن في العقول بلوغ ذلك ، ومعنى الاتباع ما قد بين.
وقوله : (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) أي : من القرآن بقول ما اشتبه حسابهم.
(ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ).
وقيل : الفتنة : الكفر (٣) ، ويحتمل «الفتنة» : المحنة ، أي : يمتحنون أهل الإسلام (٤).
وقوله : (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ).
منتهى ما كتب الله ـ عزوجل ـ لهذه الأمّة من المدّة [لهم والوقت](٥) ، وأصل التأويل : هو المنتهى.
قال الله ـ تعالى ـ (٦) : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ).
__________________
(١) البدعة ـ بالكسر ـ : الحدث في الدين بعد الإكمال ، والمبتدع : الذي يأتي أمرا على شبه لم يكن ، بل ابتدأه هو.
ينظر : تاج العروس (٢٠ / ٣٠٩) (بدع) ، ولسان العرب (١ / ٢٢٩) (بدع).
(٢) في ب : من.
(٣) قاله السدي أخرجه عنه الطبري (٦ / ١٩٦) ، رقم (٦٦١٦) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٦٧) رقم (١١٠) وقاله أيضا الربيع أخرجه عنه الطبري (٦ / ١٩٦) رقم (٦٦١٧).
(٤) قال القرطبي : قال شيخنا أبو العباس ـ رحمة الله عليه ـ : متبعو المتشابه لا يخلو أن يتبعوه ويجمعوه ؛ طلبا للتشكيك في القرآن وإضلال العوام .. أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه .. أو يتبعوه على جهة إبداء تأويلاتها وإيضاح معانيها كما فعل صبيغ حين أكثر على عمر فيه السؤال ؛ فهذه أربعة أقسام :
الأول : لا شك في كفرهم وإن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة.
الثاني : الصحيح القول بتكفيرهم ؛ إذ لا فرق بينهم وبين عبادة الأصنام والصور ، ويستتابون : فإن تابوا وإلا قتلوا كما يفعل بمن ارتد.
الثالث : اختلفوا في جواز ذلك ؛ بناء على الخلاف في جواز تأويلها.
الرابع : الحكم فيه الأدب البليغ كما فعله عمر بصبيغ.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١١).
(٥) بدل ما بين المعقوفين في ب : لحد ذا الوقت.
(٦) في ب : عزوجل.