أي : وما يعلم منتهي تلك الأمة (١) إلّا الله.
ثم المتشابه : إن كان ما يوقف فيه فهو ، وإن كان مما يعرفه أهل المعرفة ، ويعلمه بالواضح ـ فهو هو ، وأصل هذا : أن كل ذي مذهب في الإسلام يدعي على خصمه بما ذهب إليه من الحجاج بالآيات ـ الوقوع في المتشابه ، ولنفسه ـ الوقوع في الواضح ، وعنده أن ما ذهب إليه هو الحق ؛ فلا فرق بين أن يدعي عليه ذهابه إلى غير الحق ، أو تعديه إلى المتشابه وترك الواضح ، فسبيل مثله الفحص والبحث عما ذهب إليه إن جاء بشيء يضطر العقل إلى قبوله سلم له ما جاء به ، وإلا فخصمه منه في دعوى مثله : بالوقوع له في المتشابه بمحل دعواه.
وقوله : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) :
قال قوم : موضع الوقف على قوله : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) ثم ابتدأ فقال : (يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : «يقولون» ، بمعنى : قالوا ، «آمنا به» (٢) : بما عرفنا ، وذلك جائز في اللغة ؛ «يقول» بمعنى : «قال».
وقال آخرون (٣) : موضع الوقف على قوله : (إِلَّا اللهُ) ، ثم استأنف الكلام فقال : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) : المحكم والمتشابه وغيره (٤).
قيل : الراسخون : هم المتدارسون (٥).
__________________
(١) في ب : ملك.
(٢) أخرج الطبري (٦ / ٢٠٣) ، رقم (٦٦٣٣) عن مجاهد : «والراسخون في العلم يعلمون تأويله ، ويقولون : آمنا به». وكذا قاله محمد بن جعفر بن الزبير أخرجه الطبري عنه (٦ / ٢٠٣) ، رقم (٦٦٣٦).
(٣) هذا قول ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وعائشة كما في جامع الأحكام للقرطبي (٤ / ١٧) ، وهو ـ أيضا ـ قول الكسائي والأخفش والفراء وأبي عبيد وابن أبي حاتم كما في معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس (١ / ٣٥١). وبه قال الحسن وأكثر التابعين كما في تفسير البغوي (١ / ٢٨٠).
(٤) الراجح من القولين القول الثاني القائل بأن موضع الوقف على قوله تعالى : إِلَّا اللهُ ودليل رجحانه ما يلى :
أولا : ما قبل هذه الآية يدل على أن طلب تأويل المتشابه مذموم ـ لقوله ـ تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) الآية ، ولو كان طلب تأويل المتشابه جائزا لما ذمه الله تعالى.
ثانيا : مدح الله الراسخين في العلم بأنهم يقولون آمنا به ، قال تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ)[البقرة : ٢٦] والراسخون لو كانوا عالمين بالمتشابه تفصيلا لما كان للإيمان به مدح لأنهم لو عرفوه وجب عليهم الإيمان به ، وإنما الراسخون هم الذين يعلمون أن علم الله تعالى كامل والقرآن كلامه وهو لا يتكلم بالباطل والعبث فإذا سمعوا آية كان ظاهرها غير مراد فوضوا علم ذلك لله وقالوا : (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا).
وانظر تفصيل أدلة رجحان هذا القول في التفسير الكبير للرازى (٧ / ١٥٤).
(٥) قال البغوي : الدارسون علم التوراة والإنجيل. معالم التنزيل (١ / ٢٨٠). قال الواحدي في الوسيط (١ / ٤١٤) : وعند أكثر المفسرين : المراد بالراسخين : علماء مؤمني أهل الكتاب.