وقيل : المتثابتون ؛ رسخ ، بمعنى : ثبت (١).
وقيل : الراسخون (٢) : [الناتجون.
يقال : رسخ في العلم : نتج فيه](٣).
فإن قيل : ما الحكمة في إنزال المتشابه؟.
قيل : إذا كان مما يعلم فهو يحتمل وجهين :
يحتمل : ليعلم فضل العالم على غير العالم.
ويحتمل : أن جعل عليهم طلب المراد فيه ، والفحص عما أودع فيه.
وإن كان مما لا يعلم يحتمل المحنة ؛ امتحنهم في ذلك بالوقف فيه ؛ إذ الدار دار محنة ، ولله أن يمتحن عباده بجميع أنواع المحن.
وقوله : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ).
أي : ما يتعظ إلا أولو الحجج والعقل.
قوله تعالى : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) (٩)
وقوله : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا)
فيه وجهان على المعتزلة :
أحدهما : أنه أضاف الزيغ إلى نفسه ، وهو حرف مذموم عند الخلق ، إذا قيل : فلان أزاغ فلانا عن الحق ، فإذا أضاف الله ـ عزوجل ـ إلى نفسه حرف الزيغ ، دل أن فيه معنى سوى ظاهره ؛ حتى جاز إضافته إليه ، وهو أن خلق منهم فعل الزيغ ، وكذلك هذا في الضلال ، وأضاف ـ أيضا ـ الهداية إلى نفسه بقوله : (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) ، فلو كان الهدى : البيان ؛ على ما يقوله المعتزلة ، لجاز أن يضاف ذلك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ إذ هو يملك البيان ؛ لأنه بعث مبينا معلما ، فإذا لم يجز ذلك دلّ أن فيه معنى سوى البيان وهو التوفيق والعصمة ؛ حتى جاز إضافته إليه ، ولا يجوز إلى غيره ، والله الموفق.
__________________
(١) قاله الواحدي في الوسيط (١ / ٤١٤) ، والبغوي في معالم التنزيل (١ / ٢٨٠).
(٢) رسخ الشيء يرسخ رسوخا : ثبت في موضعه ، والراسخ في العلم : الذي دخل فيه دخولا ثابتا.
واعلم أن الراسخ في العلم هو الذي عرف ذات الله وصفاته بالدلائل اليقينية القطعية ، وعرف أن القرآن كلام الله تعالى بالدلائل اليقينية ، فإذا رأي شيئا متشابها ، ودل القطعى على أن الظاهر ليس مراد الله تعالى ، علم حينئذ قطعا أن مراد الله شيء آخر سوى ما دل عليه ظاهره ، وأن ذلك المراد حق ، ولا يصير كون ظاهره مردودا شبهة في الطعن في صحة القرآن. ينظر : تفسير الرازي (٧ / ١٥٤).
وينظر : تاج العروس (٧ / ٢٥٧) (رسخ).
(٣) بدل ما بين المعقوفين في ب : الناتحون ، يقال : نتح في العلم ورسخ فيه.