وقوله : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) :
يحتمل وجوها :
يحتمل الهدى والإسلام ؛ إذ به يستفاد.
ويحتمل الجنة.
ويحتمل أنهم سألوه كل رحمة.
قال أبو بكر الأصم : الرحمة : السعة في الدنيا ، والثواب في الآخرة (١).
وقوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) :
فهو ـ على قول المعتزلة ـ ليس بوهاب ؛ لأن الوهاب هو المفضل الذي يهب ويبذل ما ليس عليه ، وهو ـ على قولهم ـ عليه أن يعطي الخلق كل ما هو أصلح لهم في الدين ؛ فالآية تكذبهم ، وترد عليهم قولهم الوخش (٢) في الله ، تعالى الله عن ذلك [علوّا كبيرا](٣).
ويحتمل : هب لنا ما يستوجب به الرحمة ، وهو عمل الخير ؛ كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦].
وقوله : (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ)
إقرار بالإيمان (٤) والبعث بعد الموت (٥).
__________________
(١) انظر : تفسير الرازي (٧ / ١٥٧).
(٢) الوخش : الردىء من كل شيء. وقد وخش وخاشة. ينظر : تاج العروس (١٧ / ٤٤٦) (وخش).
(٣) سقط من ب.
(٤) الإيمان ـ لغة ـ : التصديق ، وهو ضد الكفر ، والتصديق ضد التكذيب. يقال : آمن به قوم وكذب به قوم ، وهو مصدر آمن يؤمن إيمانا فهو مؤمن. قال الله ـ تعالى ـ : على لسان أولاد يعقوب : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ)[يوسف : ١٧] أي : بمصدق لنا.
وقد اختلف الأشاعرة والماتريدية حول هذا : فقد عرفه أبو الحسن الأشعري في اللمع بقوله : «إن قال قائل : ما الإيمان بالله تعالى عندكم؟ قيل له : هو التصديق بالله تعالى ، فالإيمان عندهم عبارة عن التصديق القلبي.
والتصديق القلبي الذي يعنيه الأشاعرة هنا : الإيمان بالله سبحانه وإثبات ما أثبته لنفسه من صفات ، وأنه سبحانه ليس كمثله شيء.
يقول القاضى الباقلاني : «الإيمان بالله ـ عزوجل ـ هو : التصديق بالقلب بأنه الله الواحد الأحد الفرد الصمد القديم الخالق العليم الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير».
فالإيمان عند الأشاعرة يعني المعرفة ، وصحة الإيمان لا تكفي ؛ إذ لا بد من التصديق القلبي الذي هو المعرفة.
يقول الإمام البغدادي : «الإيمان هو الإقرار بالله عزوجل وبكتبه وبرسله ، إذا كان ذلك عن معرفة ، وتصديق بالقلب ، فإن خلا الإقرار عن المعرفة بصحته لم يكن إيمانا».
ويرى الإمام الرازي : «أن الإيمان يعني الاعتقاد ، والتصديق القلبي ، أما القول فإنه مترجم لهذا التصديق ومظهر له ، إذ يقول : «الإيمان عبارة عن التصديق ، فهو الاعتقاد ، والقول سبب لظهوره ـ