أخبر ـ عزوجل ـ بمعرفتهم أمر أهل الحرب ، وشدة رغبتهم في تعلمهم ما يحتاجون في الحرب والقتال ؛ ولهذا قالوا : إن الله ـ عزوجل ـ علم المؤمنين جميع ما يحتاجون في الحرب من الآداب وغيرها في الكتاب ؛ كقوله : (إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا) [الأنفال : ٤٥] : أمرهم بالتثبت ، ثم قال : (فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ) [الأنفال : ١٥] ، وقال : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا) [الأنفال : ٤٦] : فجعل التنازع الواقع بينهم ـ على خلاف بعضهم بعضا ـ سبب الهزيمة ؛ ففيه أمر بالاجتماع ، وجعل التدبير واحدا ، والطاعة لإمامهم.
وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) :
وإنما كان عبرة ؛ لما ذكرنا من خروج المؤمنين بقلة عددهم ، وضعف أبدانهم ، بلا استعداد للحرب والقتال ، إنما هو خروج شبه العير ، وخروج أولئك بالعدة مع قوة أبدانهم ، وكثرة عددهم ، وطمع المدد لهم ، ولم يكن للمسلمين ذلك ؛ ففي مثل غلبة المؤمنين الكافرين ، والظفر بهم ، والنصر لهم عليهم ، على الوصف الذي وصفناهم ـ عبرة ، وآية لأولى الأبصار والعبر.
قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) قُلْ أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إِنَّنا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ) (١٧)
وقوله : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ)
أي : الشهيات.
(مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ)
وما ذكر ... إلى آخره.
قال الحسن : والله ما زيّنها إلا الشيطان ؛ إذ لا أحد أذم لها ولأهلها من الله تعالى (١) ، وإليه يذهب المعتزلة ، لكن الأصل في هذا وفي أمثاله : أن الله ـ عزوجل ـ زيّن هذه الأشياء ، والتزيين من الله [ـ سبحانه](٢) وتعالى ـ يقع لوجهين ، وكذلك الكراهة ـ
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ١٠٤) رقم (١٧٨) عنه قال : زين لهم الشيطان. وأخرجه الطبري (٦ / ٢٤٣) رقم (٦٦٩٤) ، وابن أبي حاتم (٢ / ١٧٧) ، رقم (١٧٧) عنه قال : من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها.
(٢) سقط من ب.