والثاني : بما في الجواب ؛ دليله : قوله : (يَسْتَفْتُونَكَ) [النساء : ١٦٧](يَسْئَلُونَكَ) [البقرة : ١٨٩] في غير موضع ، على غير البيان أنه عن ما ذا؟ وهو ـ والله أعلم ـ داخل تحت ذينك الوجهين.
ثم يحتمل أن تكون المحاجة قد كثرت فيما قال : (فَإِنْ حَاجُّوكَ) والحجة قد ظهرت فيه ؛ فكانوا يعودون إليها مرة [بعد مرّة](١) ؛ عود تعنت وعناد ؛ فأكرم الله رسوله بالإعراض عن محاجتهم ، ذلك كمّا ظهر تعنتهم فقال : (فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ) على الإعراض عن محاجتهم ، والله أعلم.
وعلى ذلك يخرج معنى الأمر بالتولي عنهم في غير موضع.
ويحتمل أن تكون المحاجة في عبادة الواحد القهار والأوثان التي (٢) كانوا يعبدونها من دون الله ؛ فبين ـ جلّ ثناؤه ـ في ذلك بالذي يقول لهم هو ومن اتبعه على ذلك ؛ نحو قوله : (لَكُمْدِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦] ، وقوله : (لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) الآية [الشورى : ١٥] ، ونحو ذلك ، والله أعلم.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٢١) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ)(٢٢)
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) : قيل : بآيات الله التي في كتابهم : من بعث محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصفته.
وقيل : (بِآياتِ اللهِ) : بالقرآن ، وبمحمد صلىاللهعليهوسلم (٣).
(وَيَقْتُلُونَ) : يحتمل قوله : (وَيَقْتُلُونَ) أي : يهمون يريدون قتلهم ؛ كقوله : (فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) [البقرة : ١٩١] ، فلو كان على حقيقة القتل ، فإذا قتلونا لم نقدر على قتلهم ؛ وكقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨] أي : إذا أردت أن تقرأ القرآن ؛ وكقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) [المائدة : ٦] كذا ، أي : إذا أردتم أن تقوموا إلى الصّلاة ؛ لأنه إذا قام إلى الصّلاة لم يقدر على الغسل ؛ فكذلك الأوّل.
ويحتمل أن يريد : الرضا بقتل آبائهم الأنبياء ، فأضاف ذلك إليهم.
وقيل : إنه أراد آباءهم الذين قتلوا الأنبياء.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : الذين.
(٣) ذكره البغوي في تفسيره (١ / ٢٨٨).