الأيام التي عبد آباؤهم العجل ، فظنوا أنهم إنما يعذبون بقدر ما عبد آباؤهم العجل ، وأنهم لا يخلدون في النار ؛ لأنهم زعموا أنهم أبناء الله وأحبّاؤه (١).
ويحتمل أن يكون آباؤهم قالوا لهم : إنكم لا تعذبون في النار إلا قدر عبادتنا العجل ؛ فأخبر ـ عزوجل ـ أن قد غرهم في دينهم ما كانوا يفترون ، ثم خوفهم فقال : (فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ).
قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٢٧)
وقوله : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ) الآية [آل عمران : ٢٦] : يحتمل قوله : (مالِكَ الْمُلْكِ) وجهين :
أحدهما : مالك ملك كل ملك في الدنيا له حقيقة الملك.
والثاني : أن الملك له ، يؤتي من يشاء من ملكه ، وينزع ممن يشاء الملك ، وهو المالك لذلك ، والقادر عليه.
والآية ترد على القدرية قولهم ؛ لأنهم يقولون : إن الله لا يعطي الكافر الملك ، وهو قد أخبر ـ عزوجل ـ أنه يؤتي (٢) من يشاء الملك ، وقد يؤتي الكافر به الملك ، فإن قالوا : أراد ب «الملك» : الدين ، فقد أخبر ـ عزوجل ـ أيضا أنه ينزع ، فكيف يستقيم على قولكم في الأصلح هذا.
ثم في الآية تقوية لمن قرأ : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٤] بالألف (٣) لأنه أعمّ وأجمع ؛ لأنه قال : (مالِكَ الْمُلْكِ) وهو أعمّ.
والثاني : أن «الملك» إنما يعبّر عن الولاية والسلطان ، و «المالك» : إنما يعبر عن حقيقة الملك ، ومن له في الشيء حقيقة الملك ـ فله ولاية التغلب والتصرف فيه ولاية (٤) السلطان ، ولا كل من له ولاية السّلطان يكون له ولاية التغلب فيه ؛ لذلك كان بالألف
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٢٩٣) ، (٦٧٨٦) وابن أبي حاتم (٢ / ١٦٨) ، رقم (٢٩٣) عن قتادة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٢٥) وعزاه إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٢) في ب : يعطي.
(٣) وهي قراءة عاصم والكسائي ، وقرأ باقى السبعة «ملك» بدون ألف.
راجع : الحجة لأبي زرعة (ص : ٧٧) ، الحجة لابن خالويه (ص : ١٢) ، السبعة لابن مجاهد (ص : ١٠٤) ، النشر لابن الجزري (١ / ٢٧١).
(٤) في ب : وولاية.