وقوله : (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
قيل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) : يعرف الخلق عدده ومقداره.
وقيل : بغير تبعة ولا طلبة ؛ أي : لا يحاسبهم فيما أعطاهم من بعد ما أعطاهم (١).
ويحتمل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) ، أي : لا يعطيهم بحساب أعمالهم ، ولكن بتفضل ، خلافا للمعتزلة.
ويحتمل : (بِغَيْرِ حِسابٍ) : في الآخرة.
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «بغير هنداز ـ فارسية معربة».
وعن مقاتل (٢) : «لا يقدر ذلك غيره ؛ يقول : ليس فوقى ملك يحاسبني ، أنا الملك أعطي من شئت بغير حساب ، لا أخاف من أحد يحاسبني» والله أعلم.
قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٢٨) قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٢٩)
وقوله : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) يحتمل وجهين :
يحتمل : (لا يَتَّخِذِ) ، أي : لا يكونون أولياء لهم ، وإن اتخذوا أولياء ؛ بل هم لهم أعداء ؛ كقوله : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ..). [المجادلة : ٢٢] إلى آخر الآية.
ويحتمل : على النهي ، أي : لا تتخذوا أولياء ؛ كقوله : (لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ)
__________________
ـ قال الطبري : وأولى التأويلات التي ذكرناها في هذه الآية بالصواب ـ تأويل من قال : «يخرج الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الميتة ؛ وذلك إخراج الحي من الميت. ويخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي والأنعام والبهائم الأحياء ؛ وذلك إخراج الميت من الحي ... وأما تأويل من تأوله بمعنى الحبة من السنبلة ، والسنبلة من الحبة ، والبيضة من الدجاجة ، والدجاجة من البيضة ، والمؤمن من الكافر ، والكافر من المؤمن ـ فإن ذلك ، وإن كان له وجه مفهوم ، فليس ذلك الأغلب الظاهر في استعمال الناس في الكلام ، وتوجيه معاني كتاب الله ـ عزوجل ـ إلى الظاهر المستعمل في الناس أولى من توجيهها إلى الخفي القليل في الاستعمال.
ينظر : جامع البيان (٦ / ٣٠٨).
(١) ينظر طرف من الأقوال السابقة في : تفسير الطبري (٦ / ٣١١) (٦٨٢٣) ، تفسير القرطبي (٤ / ٣٧) ، تفسير الرازي (٨ / ٩) ، المحرر الوجيز (١ / ٤١٨) ، تفسير البغوي (١ / ٢٩١).
(٢) هو مقاتل بن سليمان الأزدي ، أبو الحسن الخراساني المفسر ، روى عن الضحاك ومجاهد ، قال الشافعي : الناس عيال عليه في التفسير. مات سنة ١٥٠ ه.
راجع : تقريب التهذيب ترجمة (٦٩١٦) ، خلاصة الخزرجي (٣ / ٥٣ ، ٥٤) ، سير أعلام النبلاء (٧ / ٢٠١) رقم (٧٩).