وقيل : إنّ اليهود لما قالوا : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ؛ فأنزل الله ـ تبارك وتعالى ـ : قل يا محمد : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) وذلك أنّ من أحبّ ملكا من الملوك يحبّ رسوله ، ويتبعه في أمره ، ويؤثر طاعته لحبّه ، فإذا أظهرتم أنتم بغضكم لرسولى ، وتركتم اتباعه في أمره ، وإيثار طاعته ـ ظهر أنكم تكذبون في مقالتكم : نحن أبناء الله وأحبّاؤه ؛ لأن من أحبّ آخر يحب المتصلين به ورسله وحشمه (١) ، والمحبّة ـ هاهنا ـ : الإيثار بالفعل طاعة من يحبّه فيما أحبّه وكرهه ، والطاعة له في جميع أمره ، والله أعلم.
وقوله : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ..). الآية : قد تقدم ذكرها.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣) ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٣٤) إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٥) فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (٣٦) فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ)(٣٧)
وقوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ) :
اختلف فيه ؛ قيل : (اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً) ومن ذكر لرسالته ولنبوته (٢).
وقيل : اختارهم لدينه ، وهو الإسلام.
وقيل : اختارهم في النية والعمل الصالح والإخلاص لله (٣).
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : الاصطفاء : أن يجعلهم أصفياء من غير تكدر بالدنيا ، وغيرهم اختارهم لأمرين : لأمر الآخرة ، ولأمر المعاش ؛ ألا ترى إلى قوله : «إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ؛ نموت موت العبد لسيّده» (٤).
__________________
ـ الرازي (٨ / ١٦) ، والمحرر الوجيز (١ / ٤٢٢) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ١٥٧).
(١) يقال حشمة الرجل وحشمه وأحشامه : خاصته الذين يغضبون له من عبيد ، أو أهل ، أو جيرة إذا أصابه أمر ، وقيل : عياله وقرابته ، وقيل : خدم الرجل. ينظر : لسان العرب (٢ / ٨٨٩) (حشم).
(٢) قريب منه قول الحسن البصري : فضلهم الله على العالمين بالنبوة. أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٧) (٦٨٥٤) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢٠٨) ، (٣٨٩).
(٣) أخرجه الطبري (٦ / ٣٢٨) (٦٨٥٥) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٢١٢) (٣٩٦) عن قتادة ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣١ ـ ٣٢) وزاد نسبته إلى عبد بن حميد.
(٤) أخرجه ـ بالجزء الأول حتى : «لا نورث» ـ أحمد في المسند (١ / ٢٥ ، ٤٨ ، ١٦٢ ، ١٦٤ ، ١٧٩ ، ١٩١) ، وابن سعد في الطبقات الكبرى (٢ / ٨٥) وقوله نموت لم أقف عليه.