البشر يأتيها بذلك.
وقيل : إنه قال ذلك ؛ تعجبا منه لذلك لما رأى من الفاكهة والطعام في غير حينه غير متغير (١) ؛ فقال : (أَنَّى لَكِ هذا) ؛ تعجبا منه لذلك.
ثم قالت : (هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ).
أي : يرزق من حيث لا يحتسب.
قوله تعالى : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٨) فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (٣٩) قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عاقِرٌ قالَ كَذلِكَ اللهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ (٤٠) قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٤١)
وقوله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً).
قيل : فعند ذلك دعا زكريا ربه لما كانت نفسه الخاشية تحدث بالولدان تهب له ، لكنه لم يدعو لما رأى نفسه متغيرة عن الحال التي يطمع منها الولد ، فرأى أن السؤال في مثل ذلك لا يصلح ؛ فلما رأى عندها فاكهة الصيف في الشتاء ، وفاكهة الشتاء في الصيف غير متغيرة عن حالها ـ علم عند ذلك أن السؤال يصلح ، وأنه يجاب للدعاء في غير حينه ، فذلك معنى قوله : (هُنالِكَ دَعا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)(٢) ، والله أعلم.
ويحتمل أنه لما رأى ما أكرمت امرأة عمران في قبول دعوتها وتبليغ ابنتها في الكرامة المبلغ الذي رأى فيها مما لعل أطماع الأنفس لا تبلغ ذلك ـ دعا الله ـ جل جلاله ـ أن يكرمه ممن يبقى له الأثر فيه والذكر ، وإن كانت تلك الحال حال لا تطمع الأنفس فيما رغب ـ عليهالسلام ـ مع ما كان يعلم قدرة الله ـ تعالى ـ على ما يشاء (٣) من غير أن كان يحس على طلب الإكرام بكل ما يبلغه قدره ، حتى رأى ما هو في الأعجوبة قريب مما كانت (٤) نفسه تتمنى ، والله أعلم بالمعنى الذي سأل.
وقوله : (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ).
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٣٥٨) (٦٩٣٧ ، ٦٩٣٨) عن الربيع وعن بعض أهل العلم.
(٢) أخرجه الطبري (٦ / ٣٦٠) (٦٩٤١) عن ابن عباس بنحوه وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦) ، وأخرجه الطبري برقم (٦٩٤٠) عن السدي أيضا ، وذكره السيوطي بنحوه في «الدر المنثور» (٢ / ٣٦ ـ ٣٧) عن الحسن. وعزاه إلى إسحاق بن بشر وابن عساكر.
(٣) في ب : شاء.
(٤) في ب : كان.