وقوله : (آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) الآية :
ينقض قول (١) من يجعل الإيمان غير الإسلام ؛ لأنهم أخبروا أنهم آمنوا ، وأنهم مسلمون ، لم يفرقوا بينهما ، وكذلك قوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الذاريات : ٣٥ ـ ٣٦] : لم يفصل بينهما ، وجعلهما واحدا ، وكذلك قول موسى لقومه : (وَقالَ مُوسى يا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) [يونس : ٨٤] لم يجعل بين الإيمان والإسلام فرقا ، وهو قولنا : إن العمل فيهما واحد ؛ لأن الإيمان : بأن تصدق بأنك عبد الله ، والإسلام : أن تجعل نفسك لله سالما.
وقيل : الإيمان : اسم ما بطن ، والإسلام : اسم ما ظهر ؛ ألا ترى أنه جاز في الإسلام الشهادة ، وفي الإيمان التصديق؟!.
وقوله : (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ)
يعنى ـ والله أعلم ـ : بما أنزلت من الكتب السماوية التي أنزلها على الرسل جميعا ، فإن أرادوا بما أنزلت على عيسى ـ عليهالسلام ـ فالإيمان بواحد من الكتب أو بواحد من الرسل : إيمان بالكتب كلها وبالرسل جميعا ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم (٢).
قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٥٤) إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٥٦) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)(٥٧)
وقوله : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ).
مكروا بنبيّ الله عيسى ـ عليهالسلام ـ حيث كذبوه وهمّوا بقتله ، (وَمَكَرَ اللهُ) ، أي : يجزيهم جزاء مكرهم ؛ وإلا حرف المكر مذموم عند الخلق ؛ فلا يجوز أن يسمّي الله به إلا في موضع الجزاء ؛ على ما ذكره ـ عزوجل ـ في موضع الجزاء ؛ كقوله : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ ..). [البقرة : ١٩٤] والاعتداء منهي [عنه] غير جائز ؛ كقوله : (وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [البقرة : ١٩٠] ؛ فكان قوله :
__________________
(١) في ب : على.
(٢) انظر قوله ـ تعالى ـ : (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة : ٢٨٥].