هذا (١) ، والنصارى في الحقيقة مشبهة وقدرية : وأمّا التشبيه : فإنما حملهم على ذلك ظنهم في قول إبراهيم صلىاللهعليهوسلم ؛ حيث قال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ؛ ظنوا أن عيسى لما قال : (أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ) [آل عمران : ٤٩] أنه رب وإله ؛ لأن إبراهيم ـ عليهالسلام ـ أخبر أن ربه (الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ؛ فسموا عيسى إلها بهذا ، وهم كانوا يرون عيسى يأكل ويشرب وينام ؛ فلو لا أنهم عرفوا الله ـ عزوجل ـ وإلّا ما شبهوه به ، تعالى الله عن ذلك.
وأمّا القدرية : فلما لم يروا لله في أفعال العباد صنعا ؛ إنما رأوا ذلك للخلق خاصة (٢) ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (٦ / ٤٦٨) (٧١٦١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣٠٧) (٦٦٧) عن ابن عباس. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢ / ٦٦) وعزاه إليهما من طريق العوفي عن ابن عباس. وأخرجه الطبري بنحوه (٦ / ٤٦٨) (٧١٦٠) عن الشعبي ، ورقم (٧١٦٢) عن قتادة ، وفي (٦ / ٤٦٩) (٧١٦٣) عن السدي.
(٢) وهي معرفة بالجبر والاختيار في الفعل ، والمراد من أفعال العباد : المعنى الحاصل بالمصدر الذي هو متعلق الإيجاد والإيقاع ، وهو على سبيل المثال ما يشاهد من الحركات والسكنات ، وإطلاق المصدر على المعنى الحاصل بالمصدر ـ وإن كان مجازا ـ من قبيل إطلاق اللازم وإرادة اللزوم ، إلا إنه كثير الوقوع ، فلا يحتاج إلى قرينة.
وتنقسم أفعال العباد إلى اختيارية كحركة البطش ، واضطرارية كحركة الارتعاش ، ومباشرة ومتولدة كحركة المفتاح المتولدة من حركة اليد ، ومنها ما يتعلق بالجوارح ، ومنها ما يتعلق بالقلوب ، وهذا كله فيما يختص بالمستيقظ ؛ لأن أفعال النائم والساهي مختلف فيها على تفصيلات كثيرة ليس المجال مجال ذكرها.
وهذه المذاهب التي اختصت بهذه المسألة : ذهبت المعتزلة : إلى أن العبد فاعل ومحدث لأفعاله الاختيارية ؛ إذ أفعال العباد من حركات وسكنات واقعة من جهتهم بإقدار الله لهم على هذه الأحداث ، وبهذا يتبين ـ كما يقول المعتزلة ـ خطأ من قال بأن أفعال العباد الاختيارية واقعة بقدرة الله ؛ لأن قدرة الله لا تتعلق بأفعال العباد من حيث الإيجاد والنفي.
أما الجبرية : فقالوا بنفي الاستطاعة والقدرة عن الإنسان في جميع أعماله ؛ لأن الأفعال مخلوقة لله ـ تعالى ـ فينا لا تعلق لنا بها أصلا ، لا اكتسابا ولا إحداثا ، وإنما نحن كالظرف لها.
ويتضح مذهب الجبرية فيما يقوله جهم بن صفوان إذ يقول : «الإنسان لا يقدر على شيء ، ولا يوصف بالاستطاعة ، وإنما هو مجبور في أفعاله لا قدرة له ولا اختيار». وبهذا يكون مذهب المعتزلة رد فعل لمذهب الجبرية.
أما الأشاعرة فلقد ذهبوا إلى أن أفعال العباد واقعة بقدرة الله ـ تعالى ـ وحدها ، والعبد ليس له أدنى تأثير فيها ، لأنها ـ أي الأفعال ـ مخلوقة لله من حيث الإبداع والإحداث وللعبد فيها كسب.
والسبب الذي جعل الأشاعرة يقولون بهذا : أنهم رأوا أن قدرة الله عامة ، وتشمل سائر المقدورات ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن.
أما السؤال الذي يطرح نفسه في خصوص رأي الأشاعرة ـ وهم يقولون بأن أفعال العباد واقعة بقدرة الله وحدها وللعبد فيها الكسب ـ هو عن تفسير حدوثها من العبد؟
وإجابة هذا السؤال هي أن الأشاعرة يرون أن الله ـ سبحانه ـ قد أجرى عادته بأن يوجد في العبد ـ