ما يُوحى إِلَيْكَ) إلى آخره [هود : ١٢] : على الموعظة ، لا على أنه يكون كذلك ، أو على ما سبق ذكره ، والله أعلم.
ويحتمل : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ، أي : كل حق فهو عن الله جائز إضافته إليه ، على الوجوه التي تضاف إليه ، الباطل من الوجه الذي هو باطل ، (فَلا تَكُنْ) في ذلك (مِنَ الْمُمْتَرِينَ) ، والله أعلم.
وجائز أن يقول : جعل الله ذلك الفعل ممن فعله باطلا ، ولا يقال : الباطل من الله ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(٦٤)
وقوله (١) : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) :
يعنى : كلمة الإخلاص والتوحيد ، (سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) ، أي : عدل ، أي : تلك الكلمة عدل بيننا وبينكم (٢) لأنهم كانوا يقرون أن خالق السموات والأرض : الله ، بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٣١] ، وكذلك يقرون أن خالقهم الله ، بقوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] ، لكن منهم من يعبد دون الله أوثانا ، ويقولون : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) ، ومنهم من يجعل له شركاء وأندادا يشركهم في عبادته ، فدعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ألا يجعلوا عبادتهم لغير الذي أنعم عليهم ؛ إذ العبادة لا تكون إلا لله الذي أقروا جميعا أنه خالق السموات والأرض ، وأنه ربهم ، وألا يصرفوا عبادتهم إلى غير الذي أنعم عليهم ؛ إذ العبادة هي لشكر وجزاء ما أنعم عليهم (٣).
(أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ) لأن العبادة لواحد أهون وأخف من العبادة لعدد ، وأن صرف العبادة إلى من أنعم عليكم أولى من صرفها إلى الذي لم ينعم عليكم ؛ إذ ذاك جور وظلم في العقل أن ينعم أحد على آخر ، فيشكر غيره.
__________________
(١) في ب : وقوله ـ عزوجل.
(٢) ينظر : تفسير الطبري (٦ / ٤٨٧) (٧١٩٨) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣١٧) (٤٩٦).
(٣) أي [دعاهم] إلى قول معتدل لا يميل إلى التعطيل ولا إلى الشرك ، متفق عليها لا يختلف فيها الرسل والكتب ، قاله القاسمي في محاسن التأويل (٤ / ١١٧).