ومن هذا الوجه أمكن أن يحاج جميع الخلق ، وإن خص به أهل الكتاب ، والله أعلم.
وأخرى : أن يستوي فيها أنها حق وعدل ، وهي عبادة الواحد الذي لم يختلف في أنه معبود ، وأن كل من عبد غيره فعلى أن يكون له العبادة يعبده ، فيرجع إلى حقيقته (١) دون أن يكون بيننا وبينه من يعلم أنه لا يستحق العبادة ، وهذا المعنى يلزم الجمع ، أيضا.
والثالث : أن يكون إلى كلمة ظهر أنها عدل في كتابهم بما جاءت رسلهم ، ونزلت بها كتبهم ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٦٩) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)(٧١)
وقوله : (وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ) :
ذكر في القصّة أن المشركين أخذوا عمارا (٢) وحذيفة (٣) ، فقالوا لهم : ديننا أفضل من دينكم ، وأفضل من الأديان كلها ؛ فنزل هذا (٤).
والأشبه أن يكون مثل هذا من رؤساء أهل الكتاب ، وعلماؤهم هم الذين يتولون مثل هذا العمل ، وأمّا الجهّال منهم والرذلة (٥) ، فإنهم لا يفعلون هذا ، والله أعلم.
وقوله : (وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ) :
الإضلال : قيل فيه بوجوه : قيل : الإضلال هو الإخمال (٦) ؛ أرادوا أن يخمل ذكرهم ، ولا يذكرون بعدهم أبدا ، كما ذكر أولئك.
__________________
(١) في ب : حقيقة.
(٢) هو عمار بن ياسر ، صحابي جليل شهد بدرا والمشاهد وقتل مع على بصفين سنة ٣٧ ه. ينظر : الخلاصة (٢ / ٢٦١.
(٣) هو حذيفة بن اليمان (حسيل) أبو عبد الله ، صحابي جليل من السابقين ، وكاتم سر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في المنافقين ، وروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث. مات سنة ٣٦ ه.
ينظر : الخلاصة (١ / ٢٠١) ، سير أعلام النبلاء (٢ / ٣٦١) رقم (٧٦).
(٤) ينظر : البحر المحيط (٢ / ٥١٣) ، تفسير البغوي (١ / ٣١٥) ، زاد المسير لابن الجوزي (١ / ٤٠٤) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣١١) ، وقيل : أي لا يعلمون بصحة الإسلام ، وواجب عليهم أن يعلموا ؛ لأن البراهين ظاهرة والحجج باهرة.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٧١.
(٥) الرّذلة : الدون من الناس ، وقيل : الدون في منظره وحالاته ، وقيل : هو الدون الخسيس ، وقيل : هو الردىء من كل شيء. ينظر : لسان العرب (٣ / ١٦٣٢) (رذل).
(٦) خامل الذكر : أي : لا يعرف ولا يذكر ويصير مجهولا. كما هو واضح من كلام المصنف. ينظر : لسان العرب : (٣ / ١٦٢٨) (خمل).