أنهم علموا أنه حق ، وأنه رسول الله ، وأن ذلك إنما علم بإله ـ عزوجل ـ وذلك قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، ثم علم ذلك يكون بأن كان ذلك في كتابهم ، أو علموا بالآيات المعجزة.
ويحتمل قوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ـ ما جزاء من لبس الحق بالباطل وكتمه ، والله أعلم.
ويحتمل : وأنتم تعلمون أنكم تلبسون الحق بالباطل (١).
قوله تعالى : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٧٢) وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٧٤)
وقوله : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ)
قيل فيه بوجوه ، قيل : قوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) ، يعنى : بأول أمر محمد صلىاللهعليهوسلم لا النهار نفسه ، وذلك ما روي في القصّة أن بعضهم كان يقول لبعض : إن محمدا كان على قبلتنا وقبلته بيت المقدس ، ويصلي إليها ، فآمنوا أنتم به ، (وَاكْفُرُوا آخِرَهُ) ، يعني : آخر أمره ، يعنون قبلة : البيت الحرام الكعبة ، أي : اكفروا بقبلته التي يصلى إليها الآن ، وهي (٢) الكعبة (٣).
وقيل : إن بعضهم يقول لبعض : آمنوا بمحمد في أول أمره ؛ حتى يؤمن به جميع العرب ، ثمّ اكفروا به في آخر أمره ؛ فيقولون لنا : لم كفرتم به ورجعتم عن دينه؟ فنقول لهم : إنا وجدنا في التوراة نعت نبي وصفته ، فحسبنا أنه هذا ؛ فآمنا به ، ثم نظرنا فإذا ذلك لم يكن نعته ولا صفته ؛ فرجعنا عن دينه وكفرنا به ؛ حتى يرجعوا جميعا عن دينه ؛ فذلك قوله : (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ)(٤).
وقيل ـ أيضا ـ : إن رءوس اليهود قالوا للسّفلة : صدقوا بالقرآن وبمحمد صلىاللهعليهوسلم وجه النهار ، يعنى : أول النهار ، يعنى : صلاة الغداة ، فإذا كان صلاة العصر اكفروا به ، فقولوا لهم : إن قبلة بيت المقدس كانت حقّا ؛ فما ذا بعد الحق إلا الضلال؟! ليرجعوا عن
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ٨٢) ، واللباب (٥ / ٣١٣).
(٢) في ب : وهو.
(٣) ذكره الرازي (٨ / ٨٤) عن ابن عباس ، وينظر تفسير اللباب (٥ / ٣١٨).
(٤) ذكره ابن عادل في «اللباب في علوم الكتاب» (٥ / ٣١٨) عن الحسن والسدي ، وأخرجه الطبري (٧٢٣٣) عن السدي بنحوه.