أمرهم ، وتسقط رياستهم ، والله الموفق.
وقوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) :
اختلف فيه ، قيل : هو على التقديم والتأخير ؛ قوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) ـ كان على أثر قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) : يقول بعضهم لبعض : ما أنزل الله كتابا مثل كتابكم ، ولا بعث نبيّا مثل نبيّكم ؛ قالوا ذلك حسدا منهم (١).
وقيل : إن هذا قول رسول الله صلىاللهعليهوسلم للمسلمين : لما نزل قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) ـ قال لهم : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) ، يقول : دين الله الإسلام هو الدّين (أَنْ يُؤْتى) ، يقول : لن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من دين الإسلام ، والكتاب الذي فيه الحلال والحرام ، والله أعلم.
ويحتمل أن يكون قال : لن يؤتى أحد من الأنبياء قبلى من الآيات مثل ما أوتيت أنا ؛ لأن آياتهم كانت كلها حسّية يفهمها كل أحد ، وآيات رسول الله كانت حسّية وعقلية لا يفهمها إلا الخواصّ من الناس وخيرتهم (٢).
وقوله : (أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) :
راجع إلى قوله : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) فـ (يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) أنهم قد آمنوا به مرة وأقروا له ؛ وهو كقوله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ) [البقرة : ٧٦] : أنهم كانوا يظهرون لهم الإسلام والإيمان ، ثم إذا خلوا قالوا : (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] ؛ فقال بعضهم لبعض : لا تظهروا لهم الإسلام ؛ فيحاجوكم عند ربكم في الآخرة؟!.
وقوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ)
هذه الآية (٣) على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الفضل ليس بيد الله ؛ وكذلك الاختصاص ؛ إنما ذلك بيد الخلق ؛ لأن من قولهم : إنه ليس على الله أن يفعل بالخلق إلا ما هو أصلح لهم في الدين (٤) ، ليس له أن يؤتى أحدا فضلا ، ولا له أن يختص أحدا برسالة ، إلا من هو مستحق لذلك مستوجب له ؛ فذلك الفضل والاختصاص إنما استوجبوا بأنفسهم لا بالله ، على قولهم ، ففي الحقيقة الفضل عندهم كان بيدهم لا بيد الله ، فأكذبهم
__________________
(١) ينظر : تفسير الرازي (٨ / ٨٥ ـ ٨٧) ، واللباب في علوم الكتاب (٥ / ٣٢١ ـ ٣٢٤).
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) في ب : الآيات.
(٤) تقدم ذكر هذه المسألة وبيان بطلان مذاهبهم في ذلك.