وروى عن عائشة (١) ، رضى الله تعالى عنها ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تسموا شهر رمضان رمضان ، فإنما هو اسم من أسماء الله تعالى. انسبوه إلى ما نسبه لكم القرآن» (٢).
وقوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ).
أضاف عزوجل الفعل إلى الشهر بقوله : (فَلْيَصُمْهُ) ؛ فلذلك إذا قصد به صوم الشهر جائز الصوم وإن لم ينو الفرض سوى ما ذكرنا. وكذلك سائر الفرائض نحو الظهر والعصر ينوى ذلك ، فيكون ذلك على ما جعله الله من فرض وإن لم ينو الفرض. ولا قوة إلا بالله.
وعلى ذلك من نوى بالصيام غير صيام الشهر جائز عن صيام الشهر ، لما أمرنا بصيام الشهر ولم نؤمر بأن نجعل ذلك لشىء سواه ، والشهر موجود لنفسه لا يحتاج صاحبه إلى أن يوجده كان من ذلك على كل حال. وكذلك كل حق معين فى شىء لم يزل عنه نيته إلى غيره ؛ كمن يأمر إنسانا بشراء شىء بعينه لم يتحول عنه بالنية ، على أن ذلك كالظهر والعصر ونحو ذلك ؛ فيحال على تحقيق ذلك قصد غير ، وبعد فإن كلا يجمع ألا يجوز غير ؛ فثبت أن استحقاق الشهر بصومه لا يستحق عليه غيره من الصيام فجاز عنه.
وعلى ذلك أجاز أبو حنيفة فى السفر غيره ، من حيث أذن له فى تأخير هذا ، أو غيره فرض عليه نحو صوم الظهار والقتل ، ولا رخصة له فى تأخيره ، فجاز فيه ؛ إذ هو وقت صيام حول إلى وقت غيره ، فصار هذا الوقت بالحكم لغيره ، وليس كنية المتطوع ؛ لأنه فى موضع الرخصة وفى العمل به وقد يكون له مقدار التطوع من الفضل على غيره فهو أولى به. ولما قد يجوز النفل بلا نية نفل ، فكأنه لم ينو النفل. فهو رجل لم يعمل برخصة الله بل عمل بوجه العزم. ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
قيل (٣) : (تَتَّقُونَ) الأكل والشرب والجماع.
ويحتمل : (تَتَّقُونَ) المعاصى ؛ لأن النفس إذا جاعت شبعت عن جميع ما تهوى
__________________
(١) عائشة بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنهما التيمية ، أم عبد الله الفقيهة أم المؤمنين الربانية ، حبيبة النبى صلىاللهعليهوسلم لها ألفان ومائتان وعشرة أحاديث قال عروة : ما رأيت أعلم بالشعر من عائشة. وقال القاسم : كانت تصوم الدهر. وقال هشام بن عروة : توفيت سنة سبع وخمسين. ودفنت بالبقيع.
ينظر : الخلاصة : (٣ / ٣٨٧) (١٠٦).
(٢) أخرجه ابن أبى حاتم وأبو الشيخ وابن عدى والبيهقى فى سننه (٤ / ٢٠١) ، والديلمى كما فى الدر المنثور (١ / ٣٣٤) عن أبى هريرة مرفوعا وموقوفا «لا تقولوا رمضان فإن رمضان اسم من أسماء الله ولكن قولوا شهر رمضان».
(٣) قاله السدى ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٣٣) ، وانظر تفسير البغوى (١ / ١٤٩) ، والدر المنثور (١ / ٣٢٣).