ليست لهم توبة [إلا أن](١) يكون توبة منهم فترد ؛ كقوله : (لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ) [النجم : ٢٦].
وقيل : هم قوم علم الله أنهم لا يتوبون أبدا ؛ فأخبر أنه لا يقبل توبتهم (٢) ؛ كقوله : (أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٦].
وقيل : لا تقبل توبتهم عند الموت (٣) ؛ كقوله : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ) [غافر : ٨٤] وكقوله : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) [النساء : ١٥٩] ، وكقوله : (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ) [الأنعام : ١٥٨] : أخبر أنه لا ينفع الإيمان في ذلك الوقت ؛ فعلى ذلك قوله : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) في ذلك الوقت ؛ إذا داموا على الكفر إلى ذلك الوقت.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) ـ : ذلك في قوم مخصوصين ، أي : لا يكون منهم توبة ؛ كقوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) [البقرة : ٤٨] ، أي : لا شافع لهم ، ويحتمل عند رؤية بأس الله وجزاء فعله عند القيامة أو معاينة الموت ؛ يدل على ذلك الآية التي تقدمت.
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً ..). الآية.
قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) ، يقول : لو كان معهم لافتدوا به أنفسهم ـ ما قبل منهم ، ولكن لا يكون ؛ كقوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) [البقرة : ٤٨] ، أي : لا يكون لهم شفيع ، لا أن كان لهم شفعاء فيشفعون فلا تقبل شفاعتهم ، ولكن لا يكون لهم ؛ فهذا يدل على أن قوله : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) ، أي : لا يتوبون ، والله أعلم.
وروى عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يجاء بالكافر يوم القيامة ، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا ، أكنت مفتديا به؟ فيقول : نعم يا
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير (٦ / ٥٨٠) برقم (٧٣٧٩ ، ٧٣٨١) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣٨٧) برقم (٩٢٩) عن أبي العالية ، وعن السدي أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٨١) برقم (٧٣٨٣) ، وذكره السيوطي (٢ / ٨٨) وزاد نسبته إلى ابن المنذر.
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦ / ٥٧٨) برقم (٧٣٧٢) عن الحسن البصري وأخرجه أيضا ابن جرير (٦ / ٥٧٩) برقم (٧٣٧٤) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٣٨٨) برقم (٩٣٥) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٨٨).