ثم اختلف في البرّ ، قيل : البرّ هو الجنة (١) هاهنا.
وقيل : البر هو الإسلام (٢) ، إن كان في الكافرين (٣).
وقيل : لن تنالوا درجات الجنة ، وما عند الله من الثواب إلا بإنفاق ما تحبون (٤).
وقوله : (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ)
ففيه دليل قبول القليل من الصدقة ؛ لأنهم كانوا يمتنعون عن قليل التصدق استحقارا ، فأخبر أنه بذلك عليم وإن قل ، بعد أن يكون ذلك لله عزوجل ، والله أعلم.
قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاَّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٩٣) فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(٩٤)
قوله : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) الآية.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ : «وكان الطعام كله حلالا ، إلا الميتة والدم ولحم الخنزير (٥).
(إِلَّا ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ) يعني : يعقوب ، حرم على نفسه لحم الإبل
__________________
(٥) أخرجه أبو نعيم في الحلية كما في الدر المنثور (٢ / ٩١) ، وذكره الرازي في التفسير (٨ / ١١٧) ، وقال القرطبي : وأعتق ابن عمر نافعا مولاه ، وكان أعطاه عبد الله بن جعفر ألف دينار ، قالت صفية بنت أبي عبيدة : أظنه تأول قول الله ـ عزوجل ـ : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢].
وقد أعتق عمر بن الخطاب جارية ، ولكن كان بعد فتح المدائن ؛ متأولا هذه الآية كما أخرجه الطبري (٧٣٩٠).
وقد تصدق زيد بن حارثة لما نزلت هذه الآية بفرس فأعطاه النبي صلىاللهعليهوسلم إلى ابنه أسامة ؛ فقال زيد : يا رسول الله ، إنما أردت أن أتصدق به ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد قبلت صدقتك».
أخرجه الطبري (٧٣٩٥).
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره (٦ / ٥٨٧) ، برقم (٧٣٨٦) (٧٣٨٧) عن عمرو بن ميمون وعن السدي مثله برقم (٧٣٨٨) ، وأخرجه ابن أبي حاتم (٢ / ٣٩٠) برقم (٩٤١) من طريق أبي عبيدة ، وبرقم (٩٤٢) من طريق زر بن حبيش كلاهما عن ابن مسعود ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٩١) وزاد نسبته لابن المنذر عن مسروق.
(٢) أخرجه بنحوه ابن جرير الطبري برقم (٨٤١) عن ابن عباس وذكره السيوطي في الدر (١ / ١٢٦).
(٣) في ب : الكافر.
(٤) انظر نحوه في تفسير الرازي (٨ / ١١٨) ، وقيل : البر : العمل الصالح ، وفي الحديث الصحيح : «عليكم بالصدق ؛ فإنه يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة».
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ٨٦).
والحديث أخرجه البخاري (٦٠٩٤) ، ومسلم (١٠٣ ـ ٢٦٠٧) ، من حديث عبد الله بن مسعود.
(٥) ينظر تفسير الكشاف للزمخشري (١ / ٣٨٥) ، تفسير المحرر الوجيز (١ / ٤٧٢) ، تفسير البحر المحيط (٣ / ٤).