وأما قوله : «الصائم فى السفر كالمفطر فى الحضر» ، فهو عندنا : إذا كان الصوم أجهده وضعفه لزمه أن يفطر ، صار كالذى أفطر فى الحضر. والله أعلم.
وروى عن أنس ـ رضى الله عنه [أنه](١) ـ قال : «الصوم أفضل والفطر رخصة» (٢).
وقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ).
قرأ بعضهم (٣) : «وعلى الذين يطوّقونه» ، فمعناه يكلفونه.
وقال بعضهم : «لا يطيقونه». لكن هذا لا يحتمل ؛ وذلك أنه قال : (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ، دل أن قوله : «لا يطيقونه» لا يحتمل.
وقيل : كان أول ما ترك الصوم كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا كل يوم ، فلما نزل صوم شهر رمضان نسخ ما كان قبله عمن يطيق الصوم ، ويثبت الرخصة لمن لا يطيق من نحو الشيخ الفانى ، والحبلى والمرضع إذا خافت على ولدها.
وقيل : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) ، أى : الفدية.
وقيل (٤) : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) ، ثم عجزوا ، (فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ) كل يوم.
وقيل : إن المريض والمسافر إن شاءا أفطرا وقضيا ، وإن شاءا أفطرا وفديا.
لكن ذلك كله منسوخ بما ذكرنا بنزول (شَهْرُ رَمَضانَ).
وروى عن أنس ، رضى الله تعالى عنه ، أنه قال : «أحيل الصوم ثلاثة أحوال : فمرة يقضى ، ومرة يطعم ، ومرة يصام ، ثم نسخ هذا كله» (٥).
ثم الأصل فى هذا : أن من عجز عن قضائه جعل له الخروج بالفداء بعجزه عن ابتدائه ، من نحو الشيخ الفانى وغيره.
ومن لم يعجز عن قضائه ، لم يجعل له الخروج بالفداء ، من نحو المرضع والحبلى والمريض والمسافر ؛ لأنهم لم يعجزوا عن غير المفروض والبدل أبدا ، إنما يجب إذا عجز عن إتيان الأصل. والله أعلم.
وقوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً).
يحتمل : زيادة الطواف.
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) أخرجه ابن أبى شيبة وعبد بن حميد كما فى الدر المنثور (١ / ٣٤٦).
(٣) منهم عبد الله بن عباس ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٧٢ ، ٢٧٧٣ ، ٢٧٧٤ ، ٢٧٧٥ ، ٢٧٨٥) ، وعن عائشة (٢٧٧٩) ، وعكرمة (٢٧٧٦) ، وغيرهم.
(٤) قاله عكرمة ، أخرجه ابن جرير عنه (٢٧٧٨).
(٥) تقدم عن معاذ بن جبل.