وعلى ذلك ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن ذلك ؛ فقال : «الزّاد والرّاحلة» (١). والله الموفق.
وعلى ما ذكرت يخرج قول أبي حنيفة ـ رضي الله عنه ـ في وجوب الحج : وإن لم يدرك الوقت الذي فيه يقوم الحج على ما لزمه ، وإن لم يكن أصاب المكان الذي فيه يقام ـ والله أعلم بظاهر الآية مع ما ذكرنا من بيان الأثر.
وأصله : أن الوقت في الحج جعل لجواز الفعل ؛ إذ هو لو فات لا يحتمل في غيره ، وكل فعل يجوز في غير وقته فما يقرب من الوقت به كان أحق بالجواز ، فإذا لم يجز هذا وجاز في مثله من القابل ـ ثبت أنه للجواز لا للوجوب ؛ وأيّد ذلك ما لا يوصف بالقضاء (٢) متى أدى ، ولو كان في الأوّل واجبا لوقت الأول لكان يكون في الثاني قاضيا ، فإذا لم يكن : ثبت أنه ليس لوجوبه وقت ، والله أعلم.
قوله تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَأَنْتُمْ شُهَداءُ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٩٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ)(١٠٠)
وقوله : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) :
[وآيات الله](٣) ما ذكرنا فيما تقدم بمحمّد صلىاللهعليهوسلم بالقرآن والحجج.
(وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ) :
هو حرف وعيد وتنبيه ؛ ينبئهم عن صنيعهم ؛ ليكونوا على حذر من ذلك.
وقوله : (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً).
يحتمل قوله : (لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ) من الأتباع الذين كان (٤) إيمانهم إيمان تقليد ، لا إيمانا بالعقل ؛ لأن من كان إيمانه إيمانا بالعقل فهو لا يصد ، ولا يصرف عنه أبدا ؛ لما عرف حسن الإيمان وحقيقته بالعقل ، فهو لا يترك أبدا ، وأما من كان إيمانه
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) القضاء في اصطلاح علماء الأصول : عبارة عن تسليم مثل الواجب في غير وقته المعين شرعا أو هو ما فعل بعد وقت الأداء استدراكا لما سبق له وجوب مطلقا أخّره عمدا أو سهوا ، تمكن من فعله ـ كالمسافر ـ أو لم يتمكن لمانع من الوجوب شرعا كالحائض ـ أو عقلا ـ كالنائم.
انظر : ميزان الأصول (١ / ١٦٨) ، مختصر ابن الحاجب ص (٣٥) ، شرح الكوكب المنير (١ / ٣٦٧).
(٣) في ب : وآياته.
(٤) في ب : كانوا.