لم يتولوا هم بأنفسهم ؛ فأضاف الله ـ تعالى ـ ذلك إليهم ؛ لأنهم شاركوا في صنيعهم برضاهم ؛ وهو كقوله : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) [المائدة : ٣٢].
ويحتمل : أن يكونوا [قصدوا قتل](١) محمد صلىاللهعليهوسلم ، فإذا قصدوا ذلك فكأنهم قصدوا الأنبياء كلهم ، كما ذكرنا في قوله : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً ..). الآية.
ويحتمل : أن يكونوا هموا بقتل محمد صلىاللهعليهوسلم.
ويحتمل : أن يكون عيّرهم بآبائهم ؛ إذ هم قلدوهم في الدّين ، فبين سوء صنيعهم بالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ ليعرفوا به سفههم وسفه كل من [قصد تقليدهم](٢) ، والله أعلم.
ويحتمل : أن يكونوا قتلوا أتباع محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ فأضاف إليه ، وهو كما أضاف إليه مخادعتهم المؤمنين ـ إلى نفسه ؛ وكما أضاف نصر أوليائه إليه ، وإن كان الله لا يخادع ولا ينصر ؛ فعلى ذلك إضافة القتل إليه ؛ لقتلهم الأتباع ، والله أعلم (٣).
قوله تعالى : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (١١٣) يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٤) وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ)(١١٥)
وقوله : (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ ..). الآية :
أي : لا سواء بين من آمن منهم ـ يعني : من أهل الكتاب ـ ومن لم يؤمن منهم ؛ لأن منهم من قد آمن ؛ فصاروا أمّة قائمة ؛ قيل : عادلة (٤) ، كقوله : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩].
__________________
(١) بدل ما بين المعقوفين في ب : قصدوا قصد.
(٢) بدل ما بين المعقوفين في ب : قلدهم.
(٣) قال العلامة القاسمي : قال برهان الدين البقاعي ـ رحمهالله تعالى ـ : والآية دليل على مؤاخذة الابن الراضي بذنب الأب وإن علا ، وذلك طبق ما رأيته في ترجمة التوراة التي بين أيديهم ، لأنه قال في السفر الثاني : وقال الله : جميع هذه الآيات كلها أنا الرب إلهك الذي أصعدتك من أرض مصر من العبودية والرق لا يكون لك آلهة ، لا تعملن شيئا من الأصنام والتماثيل التي مما في السماء فوق وفي الأرض من تحت ، ومما في الماء أسفل الأرض لا تسجدن لها ولا تعبدنها ؛ لأني أنا الرب إلهك غيور آخذ الأبناء بذنوب الآباء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة خلوف ، وأثبت النعمة إلى ألف حقبة لأحباري وحافظي وصاياي.
ينظر : محاسن التأويل (٤ / ١٩٦).
(٤) قاله مجاهد : أخرجه عنه الطبري (٧ / ١٢٣) (٧٦٥٠) ، وابن أبي حاتم (٢ / ٤٨٦) (١٢٢٣) ، وعبد ابن حميد كما في الدر المنثور (٢ / ١١٦).