وقوله : (هَمَّتْ ... أَنْ تَفْشَلا) والفشل ليس مما ينهي عنه ؛ لأنه يقع من غير فعله ، لكنه ـ والله أعلم ـ همّوا أن يفعلوا فعل القتل والجبن (١) وذكر في القصة أن الطائفتين : إحداهما كانت من بنى كذا ، والأخرى من بنى كذا ، فلا يجب أن يذكر إلا أن يقروا هم بذلك.
وقيل : إنهم كانوا أقروا بذلك ، وقالوا : نحن كنا فعلنا ، وما نحب ألا يكون في قوله : (وَاللهُ وَلِيُّهُما) ظهر لنا ولاية الله ، ولو لم يكن لم يظهر.
وقوله (وَاللهُ وَلِيُّهُما).
قد ذكرنا هذا في غير موضع :
أن «الولي» : قيل : هو الناصر (٢) ، وقيل : هو (٣) الحافظ ، وقيل : إنه أولى بهم.
وقوله : (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : المؤمن من يعلم ـ علم اليقين ـ أن من نصره الله لا يغلبه شيء ، ومن يخذله الله لا ينصره شيء.
حق على المؤمنين ألا يتوكلوا ولا يثنوا إلا على الله ، عزوجل.
قال الشيخ ـ رحمهالله ـ : فتوكل : أي اعتمد على ما وعد ، واجتهد في الوفاء بما عهده ، وفوض كل أمره إلى الله ؛ إذ علم أنه ـ بكليته ـ لله ، وإليه مرجعه ، وبهذه الجملة عهد أن ينصر دينه ، ولا يولّي عدوّه دبره ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢٣) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ)(١٢٧)
وقوله : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ)
يذكرهم ـ عزوجل ـ ألا يتكلوا إلى أنفسهم لكثرتهم ولقوتهم ولعدّتهم ، ولا يثقوا
__________________
(١) الجبن : ضد الشجاعة ، والجبان من الرجال : الذي يهاب التقدم على كل شيء ، ليلا كان أو نهارا.
ينظر : اللسان (١ / ٥٣٩) (جبن).
(٢) ذكره الطبري في تفسيره من قوله (٦ / ٤٩٧) ، وينظر : تفسير أبي حيان (٣ / ٥٠) ، وتفسير الرازي (٨ / ١٨١).
(٣) في ب : إنه هو.