على الأمر ؛ على ما جبل الخلق من الإقبال على الأمور المهمة ، وإذا كثروا على ذلك قوله : (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) [التوبة : ٢٥] ولعلهم ـ أيضا ـ بما يطمعون أنهم لو أطاعوا الله ، وثبتوا لأعدائه ـ أن لهم النصر والدفع ، فكان ذلك بعض ما يستبشرون ؛ وعلى ذلك أكثر ما بلى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالهزيمة ، إنما كان يصرف قلوبهم إلى بعض ما جبل عليه البشر من حبّ الدنيا ، والإعجاب بالكثرة ، ونحو ذلك ، ثم من أعظم الأعلام في ذلك ما قال الله ـ عزوجل ـ : (وَما جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ) فتكون البشارة والطمأنينة بالذي جبل عليه البشر على ما بينت ، ويكون النصر من عند الله ، الذي متى أراد نصر أحد لن يغلب ، قلّت أعوانه أو كثرت ، وذلك لطف من الله العزيز العليم ؛ يريهم النصر من الوجه الذي لا يعلمه إلا هو ، وفي حال الأنفس من أنفسهم أن يقوم لعدوهم ؛ ليعلموا عظيم لطفه الذي بمثله ارتفعت درجات الأخيار ، وشرفت منازلهم ، ولو كان لهم بالإذن ؛ على ما ذكر من قوة جبريل ـ عليهالسلام ـ في قلب قريات لوط بجناح واحد ، لم يكن يقوم لمثله أهل الأرض ، فضلا عن عدد يسير منهم ، ولكنهم لا يتقدمون بين يدي الله ، والله لم يكن أذن لهم في القتال عند كل مشهد ، والله أعلم.
قوله تعالى : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٢٩)
وقوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ..). الآية.
قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) : إنما أنت عبد مأمور ؛ فليس لك من الأمر ؛ إنما ذلك إلى الواحد القهار ، الذي لا شريك له ولا ندّ ؛ كقوله : (يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) [آل عمران : ١٥٤].
وقوله : (أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ..). الآية
فيه : أنه كان من النبي صلىاللهعليهوسلم معنى قولا وفعلا ، حتى ترك قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ) ، ولكنا لا نعلم ذلك المعنى ، غير أنه قيل في بعض القصّة : إن النبي صلىاللهعليهوسلم شج يوم أحد في وجهه ، وكسرت رباعيته ، فدعا عليهم ؛ فنزل قوله : (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)(١).
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٩٩) ، ومسلم (٣ / ١٤١٧) : كتاب الجهاد : باب غزوة أحد (١٠٤ ـ ١٧٩١) ، والترمذي (٥ / ١٠٥) في التفسير : باب سورة آل عمران (٣٠٠٢) ، وقال : حسن صحيح ، وابن ماجه (٥ / ٤٩٥ ، ٤٩٦) كتاب الفتن : باب الصبر على البلاء (٤٠٢٧) ، والطبري في تفسيره (٧ / ١٩٥) (٧٨٠٥) ، (٧ / ١٩٦) (٧٨٠٦) (٧٨٠٧) ، والبغوي في شرح السنة (٣٧٤٨) من حديث أنس.