[آل عمران : ١٦٥] ، بمعنى : ولم تجاهدوا ، ولم يصبكم مثل الذي ذكر ؛ ففي ذلك وعد أن يصيب أولئك الذين خاطبهم به ما أصاب من تقدمهم ، وأن الله قد يعلم أنهم يجاهدون قبل الموت ؛ وعلى هذا قال قوم في تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب : ٢٣] ـ : أن يدخلوا الجنة إذا أصابهم مثل الذي أصاب من تقدمهم ، والله أعلم. فيكون تأويل (وَلَمَّا) : ولم ، والألف صلة.
وقيل : يحتمل بالتشديد منه : إلا ؛ كما قيل في تأويل قوله ـ عزوجل ـ : (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ) بالتشديد : «إلا عليها حافظ» ؛ فيكون بمعنى الإضمار : لا تدخلوا إلا أن يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، وقد بيّنا ما في العلم في الحرف الأوّل على أنه له وجهان ـ أيضا ـ :
أحدهما : أن الله لم يعلم بذلك ، وهو العالم بكل شيء فلو كان : لكان يعلمه.
والثاني : أن يعلموا أن يكونوا لم يجاهدوا بعد ، وسيجاهدون على ما بيّنا ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (١٤٣) وَما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)(١٤٥)
وقوله : (وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ) :
قيل فيه بوجهين :
قيل : قوله ـ عزوجل ـ : تمنون ما فيه الموت ، وهو القتال (١).
وقيل : تمنون الموت نفس الموت (٢).
ثم يحتمل وجوها :
يحتمل : يتمنون إشفاقا على دينهم الإسلام ؛ لئلا يخرجوا من الدنيا على غير دينهم الذي هم عليه ، ويحتمل أن يكونوا تمنوا الموت ، لينجوا أو يتخلصوا من تعذيب الكفار إيّاهم وتغييرهم ؛ على ما قيل : إن أهل مكة كانوا يعذبونهم ، طلبوا النجاة منهم
__________________
(١) أخرجه ابن أبي حاتم بمعناه (٢ / ٥٧٧) (١٥٣٨) عن عبد الرحمن بن عوف ، وبرقم (١٥٤٨) عن الحسن البصري.
(٢) ذكره الزمخشري في تفسيره (١ / ٤٢١) ، والقرطبي في تفسيره (٤ / ١٤٢) ، وابن عادل في اللباب (٥ / ٥٦٥).