ثواب الآخرة دائم لا يزول أبدا ، وثواب الدنيا قد يزول ، أو أن يشوب في ثواب الدنيا آفات وأحزان ؛ فينقص ذلك ، وليس ثواب الآخرة كذلك ، والله أعلم.
وقوله : (وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) الإحسان يحتمل وجوها ثلاثة :
يحتمل : المحسن : العارف ، كما يقال : فلان يحسن ولا يحسن.
ويحتمل : المعروف من الفعل ـ مما ليس عليه ـ يصنع إلى آخر ؛ تفضلا منه وإحسانا.
ويحتمل : اختيار الحسن من الفعل على القبيح من الفعل والسوء ؛ وكان كقوله : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) : هذا يختار المحاسن من الأفعال على المساوئ ، والله أعلم.
ويحتمل : المحسنين إلى أنفسهم باستعمالها فيما به نجاتها.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (١٤٩) بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (١٥٠) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (١٥١) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(١٥٢)
وقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ) :
يحتمل الطاعة لهم : طاعة الدين ، أي : يطيعونهم في كفرهم (١).
ويحتمل : الطاعة لهم في ترك الجهاد مع عدوهم ؛ كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً) الآية ، وقوله : (يَرُدُّوكُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ).
قد ذكرنا ، أي : يردوكم على دينكم الأول ، وهو على التمثيل والكناية ، والله أعلم.
وقوله : (بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ) :
__________________
(١) اختلف في المقصود بالذين كفروا : فقال القرطبي : يعني مشركي العرب : أبا سفيان وأصحابه.
وقيل : اليهود والنصارى. وقال علي ـ رضي الله عنه ـ يعني المنافقين في قولهم للمؤمنين عند الهزيمة : ارجعوا إلى دين آبائكم.
ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٤٩).