والثاني : أنه صار لهم حجة على جميع الأعداء : أنهم لا يطيعون لمعنى كان منهم ، إلّا وللمؤمنين عليهم وجه دفع ذلك بما كان عليه ما عرفوه به قبل الرسالة ؛ لما فيه لزوم القول بصدقة ؛ فيكون ذلك منة لهم وسرورا ونعمة عظيمة ؛ فاستأداهم الله لشكرها (١) ، ولا قوة إلا بالله.
قوله تعالى : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٥٣) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(١٥٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ) :
فيه لغتان : «تصعدون» بفتح التاء ، وهو من الصعود أن صعدوا الجبل ، «وتصعدون» بالرفع (٢) ، وهو أن أصعدوا أصحابهم نحو الوادي ؛ لأن المنهزم الأوّل إذا التفت فرأى منهزما آخر اشتدّ.
وقيل : الإصعاد هو الإبعاد في الأرض (٣).
وقيل : تصعدون من صعود الجبل ، وتصعدون في الوادى من الجبل (٤).
وقوله : (وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ) :
أي : لا تلتفتون على أحد ، ولا ترجعون. (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْراكُمْ).
__________________
(١) في ب : شكرها.
(٢) والجمهور على «تصعدون» بضم التاء وكسر العين من أصعد في الأرض : إذا ذهب فيها ، والهمزة فيه للدخول ، نحو أصبح زيد ، أي : دخل في الصباح ، فالمعنى : إذ تدخلون في الصعود. وقرأ الحسن والسلمي وقتادة : «تصعدون» ـ بفتح التاء والعين ـ من صعد في الجبل ، أي : رقى. وقرأ ابن محيصن ويروى عن ابن كثير : «يصعدون» ـ بياء الغيبة ، على الالتفات.
ينظر : البحر المحيط (٣ / ٨٩) ، الدر المصون (٢ / ٢٣٣) ، المحرر الوجيز (١ / ٥٢٥) ، مختصر الشواذ لابن خالويه (ص : ٣٣).
(٣) ينظر المعنى في : مجاز القرآن لأبي عبيدة (١ / ١٠٥) ، وغريب القرآن لابن قتيبة (١١٤) ، ومعاني القرآن للفراء (١ / ٢٣٩) ، ومعاني القرآن للأخفش (١ / ٤٢٤).
(٤) ينظر : المصادر السابقة.