هو على الأمر في الحقيقة كأنه قال : وعلى الله فتوكلوا أيها المؤمنون. والتوكل : هو الاعتماد عليه ، وتفويض الأمر إليه ، لا بالكثرة والأسباب التي يقوم بها ، من نحو : القوة والعدة والنصرة (١) والغلبة ، وفي الشاهد إنما يكون عند الخلق بثلاث : إمّا بالكثرة ، وإمّا بفضل قوّة بطش ، وإمّا بفضل تدبير ورأي في أمر الحرب ، وجميع نصر رسول الله صلىاللهعليهوسلم وغلبته على عدوه إنما كان لا بذلك ؛ ولكن بالتوكل عليه وتفويض الأمر إليه ؛ دل أن ذلك كان بالله ـ عزوجل ـ وذلك من آيات نبوّته صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٦١) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦٢) هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (١٦٣) لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(١٦٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ)
فيه قراءتان (٢) : «يغل» بنصب الياء ، وبرفع الياء ونصب الغين ، ومن قرأه (٣) بنصب الياء فذلك يحتمل وجهين : يحتمل : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) أي : لم يكن نبي من الأنبياء غلّ قط ، وهو أحق من لا تتهمونه ؛ لعلمكم به ؛ فكيف اتهمتموه هنا بالغلول؟!
وقيل : إن ناسا من المنافقين خشوا ألا يقسم رسول الله صلىاللهعليهوسلم الغنيمة بينهم ؛ فطلبوا القسمة (٤) ؛ فنزلت [هذه](٥) الآية.
وقيل : قالوا : اعدل يا محمد في القسمة ؛ فنزل هذا (٦).
ويحتمل قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) أي : قد كنتم عرفتموه من قبل أن يرسل ، فما
__________________
(١) في ب : والنصر.
(٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء وضم الغين «يغل» ، وقرأ باقى السبعة «يغلّ».
ينظر : الحجة لأبي زرعة (٣ / ٩٤) ، حجة ابن خالويه (١٧٩ ، ١٨٠) ، السبعة لابن مجاهد (٢١٨) ، إتحاف فضلاء البشر (١ / ٤٩٣) ، اللباب (٦ / ٢٣).
(٣) في ب : قرأ.
(٤) انظر : تفسير اللباب لابن عادل (٦ / ٢٤) ، والرازي في الكبير (٩ / ٥٧).
(٥) سقط من ب.
(٦) أخرجه البخاري (٦ / ٣٦٦) كتاب فرض الخمس : باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين (٣١٣٨) ، ومسلم (٢ / ٧٤٠) في كتاب الزكاة : باب ذكر الخوارج وصفاتهم (١٠٦٣) ، وأحمد (٣ / ٣٥٣ ـ ٣٥٥) ، وابن ماجه (١ / ١٧٦) في المقدمة : باب ذكر الخوارج (١٧٢) ، والبيهقي في الدلائل (٥ / ١٨٥ ـ ١٨٦).