وقوله ـ عزوجل ـ : (فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
أي : لا تخافوه لمخالفتكم إياه ، (وَخافُونِ) ، أي : خافوا مخالفتكم أمري ؛ كقوله : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ) [النحل : ٩٩ ـ ١٠٠] أخبر أن ليس له سلطان على الذين آمنوا ؛ إنما سلطانه على الذين يتولونه ؛ لذلك قال : لا تخافوه ؛ لما ليس له عليكم سلطان ، وخافون ؛ لما [لى](١) عليكم سلطان ، وبالله العصمة.
قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٧٦) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيْمانِ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٧٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ)
يحتمل الآية وجهين :
يحتمل : ولا يحزنك الذين ظاهروا غيرهم من المشركين عليكم ، وقد ظاهر (٢) أهل مكة غيرهم من المشركين على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيقول الله لرسوله : (وَلا يَحْزُنْكَ) مظاهرتهم عليك ؛ فإن الله ينصرك ؛ فيخرج هذا مخرج البشارة له بالنصر على أعدائه والغلبة عليهم.
ويحتمل ـ أيضا ـ وجها آخر : وهو أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يشتد عليه كفرهم بالله ، ويحزن لذلك ، كقوله ـ تعالى ـ : (لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء : ٣] ؛ فيخرج قوله : (وَلا يَحْزُنْكَ) مخرج تسكين الحزن ، ودفعه عنه ، والتسلّى عن ذلك ، لا مخرج النهي (٣) ؛ إذ الحزن يأخذ الإنسان ، ويأتيه من غير تكلف ولا صنع ، وكقوله ـ تعالى ـ : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) [التوبة : ٤٠] : هو على مخرج التسكين والدفع عنه ، لا على النهي ؛ فكذلك الأول ـ والله أعلم ـ وكقوله ـ تعالى ـ لأم موسى ـ عليهالسلام ـ : (وَلا تَحْزَنِي) [القصص : ٧].
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) :
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : ظاهروا.
(٣) وقال القرطبي : هؤلاء قوم أسلموا ثم ارتدوا خوفا من المشركين ؛ فاغتم النبي صلىاللهعليهوسلم فأنزل الله ـ عزوجل ـ : (وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ) [آل عمران : ١٧٦] وقال الكلبي : يعني به المنافقين ورؤساء اليهود ؛ كتموا صفة النبي صلىاللهعليهوسلم في الكتاب ؛ فنزلت. ينظر : تفسير القرطبي (٤ / ١٨١).